للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الْأَرْضِ جَمِيعاً،} وقوله تعالى في سورة (المائدة) أيضا رقم [٤١]: {وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً}. {هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ} أي: تقولونه، وقيل: تخوضون فيه من التكذيب. والإفاضة في الشيء: الخوض فيه، والاندفاع، ومنه: أفاضوا في الحديث، أي:

اندفعوا فيه، وأفاض الناس من عرفات إلى منى: أي دفعوا، وكل دفعة إفاضة، قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٩٨]: {فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ..}. إلخ، ثم قال في الاية التي بعدها:

{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ} وكله مستعار من: فاض الماء، وأفاضه: إذا سال للأخذ في الشيء قولا كان، أو فعلا.

{كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ:} يشهد لي بالصدق، والبلاغ، وعليكم بالكذب، والإنكار. وهو وعيد بجزاء إفاضتهم. {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ:} فهذا وعد بالمغفرة، والرحمة لمن تاب، وأناب، وإشعار بحلم الله عنهم مع عظم جرمهم. هذا؛ والضمائر عائدة على (الحق)، والمراد به (الايات) أي: القرآن المنزل على الرسول صلّى الله عليه وسلّم. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

قال أحمد المعلق على الكشاف: فيحتمل في إجراء الاية على مذهب أهل السنة أن يكون إسناد الفعل: {فَلا تَمْلِكُونَ لِي..}. إلخ لهم على معنى التنبيه بالشيء على مقابله بطريق المفهوم.

فالمعنى إذا: إن كنت مفتريا؛ فالعقوبة واقعة بي، لا تدفعونها عني. فمفهوم، وإن كنت محقا، وأنتم مفترون؛ فالعقوبة واقعة بكم لا أقدر على دفعها عنكم. ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى في سورة (هود) رقم [٣٥]: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ} وأمثاله كثيرة. والله أعلم. انتهى.

الإعراب: {أَمْ:} حرف عطف بمعنى «بل» وهمزة الإنكار. قاله الجلال، وأيّده الجمل.

وقال القرطبي: الميم صلة، التقدير: أيقولون: افتراه. {يَقُولُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله. {اِفْتَراهُ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل مستتر تقديره: «هو» يعود إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم ولم يتقدم له ذكر، ولكنه مفهوم من المقام، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة: {يَقُولُونَ افْتَراهُ} مستأنفة لا محلّ لها. {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {إِنِ:} حرف شرط جازم. {اِفْتَرَيْتُهُ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية. ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي.

{فَلا:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (لا): نافية. {تَمْلِكُونَ:} فعل مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، والجملة في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد. {لِي:} متعلقان بما قبلهما. {مِنَ اللهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من: {شَيْئاً،} كان نعتا له... إلخ، و {إِنِ} ومدخولها في محل نصب مقول القول، وجملة: {قُلْ..}. إلخ مستأنفة. {شَيْئاً:} مفعول به. {هُوَ:}

ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {أَعْلَمُ:} خبره. {بِما:} جار ومجرور

<<  <  ج: ص:  >  >>