الذي يقوله من تلقاء نفسه؛ لأخبره الذي بعثه بما يفعل به، فنزلت الاية من أول سورة (الفتح):
{لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} فنسخت هذه الاية، وأرغم الله أنف الكفار. وقالت الصحابة: هنيئا لك يا رسول الله! لقد بيّن الله لك ما يفعل بك يا رسول الله! فليت شعرنا ما هو فاعل بنا؟! فنزلت الاية رقم [٥] من سورة (الفتح): {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} ونزلت الاية رقم [٤٧] من سورة (الأحزاب): {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً} قاله أنس، وابن عباس، وقتادة، والحسن، وعكرمة، والضحاك. انتهى. قرطبي.
هذا؛ والصحيح في الاية قول الحسن السابق. قال أبو جعفر: وهذا أصح قول، وأحسنه، لا يدري صلّى الله عليه وسلّم ما يلحقه في الدنيا، وإياهم من مرض، وصحة، ورخص، وغلاء، وغنى، وفقر.
ومثله قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٨٨]: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ}. قال القشيري: فعلى هذا لا نسخ في الاية. واختار الطبري أن يكون المعنى: ما أدري ما يصير إليه أمري، وأمركم في الدنيا، أتؤمنون، أم تكفرون، أتعاجلون بالعذاب أم تؤخرون؟ وهذا هو الصحيح؛ لأنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعلم علم اليقين: أنه في الاخرة من المقربين، ويكون في الفردوس الأعلى بلا ريب، ولا شك. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ} أي: لا أتبع إلاّ الذي يوحيه إليّ ربي بواسطة جبريل، فأنا وقّاف على ذلك، ولست بمختلق للايات، ولا بمخترع لها. وقد تكرر هذا المعنى في كثير من الايات في سورة (الأنعام) رقم [٥٠] وفي سورة (الأعراف) رقم [٢٠٣] وفي سورة (يونس) رقم [١٥].
{وَما أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ:} أخوّف من عقاب الله، وغضبه في الدنيا، والاخرة، وإنذاري واضح لا خفاء فيه.
الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {ما:} نافية.
{كُنْتُ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {بِدْعاً:} خبر (كان)، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة: {قُلْ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها. {مِنَ الرُّسُلِ:}
متعلقان ب: {بِدْعاً،} أو بمحذوف صفة له. {وَما:} الواو: واو الحال. (ما): نافية. {أَدْرِي:}
فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر تقديره: «أنا»، والجملة الفعلية في محل نصب حال من تاء الفاعل، والرابط: الواو، والضمير. {ما:}
استفهامية مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ. {يُفْعَلُ:} فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى {ما}. وقرئ الفعل بالبناء للمعلوم، فيكون الفاعل عائدا إلى (الله)، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، وعليه فالرابط محذوف، وهو مفعول الفعل، والجملة الاسمية في محل نصب سدت مسد مفعولي الفعل: {أَدْرِي} المعلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام.
هذا؛ وأجيز اعتبار «ما» موصولة، فهي مفعول: {أَدْرِي،} على أنه بمعنى: لا أعرف، والجملة