للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: وهو معزيّ لابن عباس-رضي الله عنهما-، وهو أنّ الله تعالى يدفع المشركين بجنود المسلمين. ولولا وجود مسلمين مجاهدين؛ لغلب المشركون على الأرض، فقتلوا المؤمنين، وخرّبوا المساجد والبلاد، وأهلكوا العباد، ونشروا في الأرض الفساد، وهذا أيضا كثير ومشاهد في زمننا هذا وفي الأزمان الغابرة، وهو كقوله تعالى في سورة (الحج): {وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً}.

الثالث: وهو خاصّ، وهو معنويّ غير مشاهد، ولا محسوس، وهو: أنّ الله يدفع بالمؤمنين، والأبرار البلاء عن الفسّاق، والفجّار. ومعنى {لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ:} لهلك من فيها بنزول البلاء عاجلا. روى الإمام أحمد بن حنبل-رحمه الله تعالى-عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ليدفع بالمسلم الصّالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء»، ثمّ قرأ الآية الكريمة التي نحن بصدد شرحها، وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ لله ملائكة تنادي كلّ يوم: لولا عباد ركّع، وأطفال رضّع، وبهائم رتّع؛ لصبّ عليكم العذاب صبّا» أخذ بعضهم المعنى، فقال: [الرجز]

لولا عباد للإله ركّع... وصبية من اليتامى رضّع

ومهملات في الفلاة رتّع... صبّ عليكم العذاب الأوجع

هذا، وقال القرطبيّ-رحمه الله تعالى-: واختلف العلماء في الناس المدفوع بهم الفساد من هم؟ فقيل: هم الأبدال، وهم أربعون رجلا كلّما مات واحد بدّل الله آخر، فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم، اثنان وعشرون منهم بالشام وثمانية عشر بالعراق، وروي عن عليّ-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الأبدال يكونون بالشّام، وهم أربعون رجلا، كلّما مات منهم رجل، أبدل الله مكانه رجلا، يسقى بهم الغيث، وينصر بهم على الأعداء، ويصرف بهم عن أهل الأرض البلاء». ذكره التّرمذي الحكيم في نوادر الأصول.

وخرج أيضا عن أبي الدرداء-رضي الله عنه-، قال: إنّ الأنبياء كانوا أوتادا للأرض، فلمّا انقطعت النّبوّة؛ أبدل الله مكانهم قوما من أمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم، يقال لهم: الأبدال، لم يفضلوا الناس بكثرة صوم، ولا صلاة، ولكن بحسن الخلق، وصدق الورع، وحسن النّيّة، وسلامة القلوب لجميع المسلمين، والنّصيحة لهم، ابتغاء مرضاة الله، بصبر، وحلم، ولبّ، وتواضع في غير مذلّة، فهم خلفاء الأنبياء، قوم اصطفاهم الله لنفسه، واستخلصهم بعلمه لنفسه، وهم أربعون صدّيقا، منهم ثلاثون رجلا على مثل يقين إبراهيم، خليل الرّحمن، يدفع الله بهم المكاره عن أهل الأرض، والبلايا عن النّاس، وبهم يمطرون. وبهم يرزقون، ولا يموت الرجل منهم حتّى يكون قد أنشأ من يخلفه. انتهى. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>