ومواشيهم، وأموالهم بإذن الله لها في ذلك، كقوله سبحانه وتعالى في سورة (الذاريات) رقم [٤٢]: {ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} أي كالشيء البالي. {فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ} أي: قد هلكوا عن بكرة أبيهم، ولم تبق لهم باقية؛ لأنّ الريح لم تبق منهم إلاّ الاثار، والمساكن معطلة. هذا؛ وقرئ: «(فأصبحوا لا ترى إلاّ مساكنهم)» بفتح التاء على أنه خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمعنى: ما ترى يا محمد إلاّ مساكنهم خاوية عاطلة من السكان ليس فيها أحد. {كَذلِكَ نَجْزِي..}. إلخ؛ أي: نجزي، ونعاقب كل من أجرم مثل جرمهم عقابا مثل عقابهم، وانظر التعبير ب:{الْمُجْرِمِينَ} في الزخرف رقم [٧٤].
تنبيه: لما طغت قبيلة عاد، وتمرّدت على نبي الله هود، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، ولم ينفعها التذكير، والإنذار، حبس الله عنهم المطر ثلاث سنين، حتى اشتدّ عليهم الجهد، والبلاء، فاستغاثوا، واستنجدوا، فأرسل الله عليهم سحابا كثيفا من السماء، فلما رأوا السحاب؛ فرحوا، واستبشروا، وظنّوا: أنه مطر غزير، فلما أظلتهم السحابة؛ رأوها سوداء قاتمة، ففزعوا، ثم هبّت عليهم الريح، وكانت ريحا عقيما، وسلّطها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما، فأهلكهم الله وأبادهم، وصارت أجسامهم لضخامتها كأنها أعجاز نخل خاوية، ونجّى الله هودا، والذين آمنوا معه برحمته من ذلك العقاب الشديد.
يقال: إن تلك الريح كانت تحمل الفسطاط، وتحمل الظعينة؛ حتى ترى كأنها جرادة، فلما رأوا ذلك دخلوا بيوتهم، وأغلقوا أبوابهم، فجاءت الريح، فقلعت الأبواب، وصرعتهم، وأمر الله الريح، فأهالت عليهم الرمال، فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام، لهم أنين، ثم أمر الله الريح، فكشفت عنهم الرمل، واحتملتهم، فرمت بهم في البحر. وقيل: إن هودا-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-لما أحس بالريح خطّ على نفسه، وعلى من معه من المؤمنين خطا، فكانت الريح تمر بهم لينة باردة طيبة، والريح التي تصيب قومه شديدة عاصفة مهلكة، وهذه معجزة عظيمة ل:«هود» على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. وقيل: إن الله تعالى أمر خازن الريح أن يرسل عليهم مثل مقدار الخاتم، فأهلكهم الله بهذا القدر. وفي هذا إظهار كمال القدرة.
هذا؛ وقد سكن هود عليه السّلام بلاد حضرموت بعد هلاك قبيلة عاد إلى أن مات، ودفن في شرقي حضرموت على بعد مرحلتين من مدينة:«تريم» وقد روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: أنه مدفون في كثيب أحمر، وعند رأسه سمرة في حضرموت. وكان بين هود وبين نوح ثمانمئة سنة، وعاش أربعمئة وأربعا وستين سنة، وذكر القرطبي: أنه عمّر في قومه بعدهم مئة وخمسين سنة.
الإعراب:{تُدَمِّرُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى (الريح). {كُلَّ:} مفعول به، وهو مضاف، و {شَيْءٍ} مضاف إليه، وله صفة محذوفة، تقدر: بسلطت عليه، وانظر الشاهد رقم