المعجزة الخالدة، ولم يصرّح باسمه الكريم لتفخيم شأنه، كأنه العلم المتعيّن لهذا الوصف، المستغني عن التعيين، ولا تنس ما في الآية من الالتفات الذي أذكره، وخذ ما يلي: فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من نبيّ من الأنبياء إلاّ وقد أعطي من الآيات، ما مثله آمن عليه البشر، وإنّما كان الّذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» متّفق عليه.
وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة، فليصلّ، وأحلّت لي الغنائم، ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة، وبعثت إلى النّاس عامّة». متّفق عليه.
{وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ:} الحجج الدّامغات، والمعجزات الباهرات، وهي: إبراء الأكمه، والأبرص، وإحياء الميّت، وغير ذلك ممّا ذكر في آل عمران، وسورة المائدة.
{وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ:} قوّيناه بجبريل عليه السّلام، رواه أبو مالك، وأبو صلاح عن ابن عباس-رضي الله عنهما-، ومعمر بن قتادة، وقال حسّان-رضي الله عنه-: [الوافر]
وجبريل رسول الله فينا... وروح القدس ليس به خفاء
قال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-: إنّما سمّي جبريل: روح القدس؛ لأنّ القدس هو الله، وروحه جبريل، فالإضافة للتشريف، وقال الرّازي-رحمه الله تعالى-: وما يدلّ على أنّ روح القدس جبريل، قوله تعالى في سورة (النّحل): {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} وقال النّحاس-رحمه الله تعالى-: سمّي جبريل روحا، وأضيف إلى القدس؛ لأنه كان بتكوين الله عزّ وجلّ له روحا من غير ولادة والد ولده، وكذلك سمّي عيسى روحا لهذا. هذا؛ والقدس:
الطّهر، وعيسى مأخوذ من العيس، وهو بياض يخالطه شقرة، قاله أبو البقاء، أما مريم فهي بالعبرية بمعنى الخادم، ثمّ سمّي به كثير من النّساء، ومريم في لسان العرب هي الّتي تكره مخالطة الرّجال، ولم تذكر امرأة باسمها صريحا في القرآن الكريم إلا مريم ابنة عمران، وقد ذكرت فيه في ثلاثين موضعا. هذا؛ وفي القاموس المحيط: المريم هي التي تحبّ مخالطة الرجال، ولا تفجر، وهذا يناقض ما قبله، قال الشاعر:[الطويل]
وزائرة ليلا كما لاح بارق... تضوّع منها للكساء عبير
فقلت لها أهلا وسهلا أمريم؟ ... فقالت: نعم من أنت؟ قلت لها: زير
{وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ:} المراد به ما وقع ويقع بين أتباع الرّسل من الاختلافات، والمنازعات التي تؤدّي في كثير من الأحيان إلى الحروب الطّاحنة، وبيّن ربنا جلّت