وقيل: إنّ (ما) بمعنى الذي، و {إِنْ} بمعنى «ما» والتقدير: ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه. قاله المبرد. وقيل:{إِنْ} شرطية، وجوابها مضمر محذوف، والتقدير: ولقد مكناهم في ما إن مكناكم فيه؛ كان بغيكم أكثر، وعنادكم أشد. وتمّ الكلام، ثم ابتدأ فقال:{وَجَعَلْنا..}. إلخ.
انتهى. قرطبي. ورجح الزمخشري النفي، ولم يذكر الشرطية، وبقوله قال النسفي، ووافقهما البيضاوي، وزاد الشرطية، ونقل الجمل عن السمين الأوجه الثلاثة، وصحّح النفي عنه، ونقل عن كرخي ضعف الزيادة، حيث قال: يكون المعنى: مكناهم في مثل ما مكناكم فيه، فيلزم تفضيل تمكين قريش على تمكين عاد؛ لأنّ المشبه به أقوى في وجه الشبه غالبا، والمعنى عليه: ولقد مكناهم في أمور عظيمة لم نمكنكم فيها، وهذا أبلغ في الإنذار، والموعظة.
{وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً:} ليعرفوا تلك النعم، ويستدلوا بها على معطيها، ومانحها، ويواظبوا على شكرها، كما جعلنا لكم ذلك، فما استعملوها إلا في طلب الدنيا، ولذاتها، فلا جرم، ومخالفة الله تعالى. {فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ..}. إلخ: فما نفعهم ولا أجداهم ما منحوا من الجوارح؛ لأنهم لم يستعملوها فيما خلقت له، وأنتم مثلهم في عدم الانتفاع بجوارحكم.
هذا؛ ووحد السمع، وجمع ما بعده؛ لأنه لا يدرك به إلا الصوت، وما يتبعه بخلاف البصر؛ حيث يدرك به أشياء كثيرة، بعضها بالذات، وبعضها بالواسطة، والفؤاد يعمّ إدراكه كل شيء.
وقيل: وحد السمع؛ لأنه مصدر، والمصدر لا يثنى، ولا يجمع؛ لأنه اسم جنس يقع على القليل، والكثير، فلا يحتاج إلى تثنية، أو جمع.
{إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ:} يكفرون، وينكرون ما أنزل الله من آيات على رسله. {وَحاقَ بِهِمْ:}
أحاط بهم. {ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} أي: أهلكهم استهزاؤهم بالرسل، وبما جاؤوا به من آيات الله البينات.
الإعراب:{وَلَقَدْ:} الواو: حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، التقدير: والله، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره: أقسم، وانظر ما ذكرته في الاية رقم [٤٦] من سورة (الزخرف). اللام: واقعة في جواب القسم. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال.
{مَكَّنّاهُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به. {فِيما:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر ب:(في). {إِنْ:} انظر ما قيل فيها في الشرح. {مَكَّنّاكُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية صلة (ما)، أو صفتها، على اعتبار «إن» زائدة، أو نافية، ولا محلّ لها لأنّها ابتدائية على اعتبار «إن» شرطية، وقد رأيت تقدير جوابها، وعليه فإن ومدخولها صلة «ما»، أو صفتها، وجملة:{وَلَقَدْ مَكَّنّاهُمْ..}.
إلخ جواب القسم، لا محلّ لها، والقسم وجوابه كلام مستأنف، لا محلّ له. {فِيهِ:} متعلقان بما قبلهما.