وأنف كل شيء: أوله، بل وأعلاه، قال الحطيئة في مدح آل بغيض بن شماس:[البسيط] قوم هم الأنف والأذناب غيرهم... ومن يساوي بأنف النّاقة الذّنبا؟!
{أُولئِكَ} أي: الموصوفون بما ذكر، وهم المنافقون. {الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ} المعنى:
ختم عليها؛ إذا الطبع الختم، وهو التأثير في الطين، ونحوه، فاستعير هنا لعدم فهم القلوب ما يلقى عليها، وإذا طبع على قلب إنسان؛ فلا تؤثر فيه حينئذ الموعظة، ولا تجدي معه النصيحة.
قال تعالى في كثير من الايات:{فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} والطبع: السجية، والخلق الذي طبع عليه الإنسان، والطبيعة مثله، وجمع الأول: طباع، وجمع الثاني: طبائع. هذا؛ والطبع: تدنس العرض، وتلطخه. يقال: طبع السيف: إذا دخله الجرب من شدة الصدأ، وطبع الرجل، فهو طبع: إذا أتى عيبا، يقال: نعوذ بالله من طمع؛ يدني إلى طبع؛ أي: إلى دنس. قال ثابت بن قطنة:[البسيط] لا خير في طمع يدني إلى طبع... وغفّة من قوام العيش تكفيني
هذا؛ وقال قتادة في هؤلاء المنافقين: الناس رجلان: رجل عقل عن الله، فانتفع بما سمع، ورجل لم يعقل، ولم ينتفع بما سمع. وكان يقال: الناس ثلاثة: فسامع عامل، وسامع عاقل، وسامع غافل تارك. وانظر ما ذكرته في الاية رقم [١٢]. هذا؛ وقد روعي لفظ {مَنْ} في فاعل يستمع ومعناها في الضمائر الباقية في الاية. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{وَمِنْهُمْ:} الواو: حرف استئناف. (منهم): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {مَنْ:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. هذا هو الإعراب الظاهر، والمتعارف عليه في مثل هذا التركيب، والأصح: أنّ مضمون الجار والمجرور: (منهم) مبتدأ، و {مَنْ} هي الخبر؛ لأنّ (من) الجارة دالة على التبعيض؛ أي: فبعض المنافقين يستمع إليك، وجمع الضمير يؤيد ذلك، ولا استبعاد في وقوع الظرف بتأويل معناه مبتدأ، يرشدك إلى ذلك قوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١١٠]: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ} فعطف: (أكثرهم) على {مِنْهُمْ} يؤيد: أن معناه: بعضهم، وخذ قول الحماسي:[الكامل] منهم ليوث لا ترام وبعضهم... ممّا قمشت وضم حبل الحاطب
حيث قابل لفظ:«منهم» بما هو مبتدأ، أعني لفظة «بعضهم» وهذا مما يدل على أن مضمون «منهم» مبتدأ. هذا؛ وليوث: جمع ليث، وهو السبع. لا ترام: لا تقصد، قمشت: جمعت من هنا، وهناك، والمراد: رذالة الناس، والقمش: الرديء من كل شيء. {يَسْتَمِعُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى:{مَنْ،} والجملة الفعلية صلة: {مَنْ،} أو صفتها على اعتبارها نكرة موصوفة. {إِلَيْكَ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والجملة الاسمية:{مَنْ..}. إلخ، مستأنفة لا محلّ لها. {حَتّى:} حرف ابتداء، ويعتبرها الأخفش جارة ل:{إِذا} وهو ضعيف. {إِذا:}