للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرته في الاية رقم [١٠٦] من سورة (النساء)، وفي الاية رقم [٤٣] من سورة (التوبة) من جواب للرد على من يرى جواز صدور الذنب من النبي صلّى الله عليه وسلّم، وانظر أول سورة (الفتح) الاتية.

ولا يفوتني أن أذكر: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر من الاستغفار تعليما لأمته، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّي لأستغفر الله، وأتوب إليه في اليوم سبعين مرّة». رواه البخاري، وفي رواية: «أكثر من سبعين مرة». وفي الصحيح أيضا: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «اللهمّ اغفر لي خطيئتي، وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به منّي! اللهمّ اغفر لي هزلي، وجدّي، وخطئي، وعمدي! وكل ذلك عندي»، وفي الصحيح أيضا أنه كان يقول في آخر الصلاة: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت إلهي، لا إله إلاّ أنت». ولا تنس أن في أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات إكراما لهم.

وكان صلّى الله عليه وسلّم يحثّ أصحابه على الاستغفار، وهو تعليم لأمته إلى يوم القيامة، فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أدلكم على دائكم ودوائكم، ألا إنّ داءكم الذنوب، ودواءكم الاستغفار». رواه البيهقي. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجا، ومن كلّ ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب». رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وغير ذلك كثير.

{وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ} أي: يعلم تصرفكم في نهاركم، ومستقركم في ليلكم، كقوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [٦٠]: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ} وقوله تعالى في سورة (هود) رقم [٦]: {*وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ} وهذا القول هو اختيار ابن جرير، وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-: متقلبكم في الدنيا، ومثواكم في الدنيا والاخرة. وقال السدي: متقلبكم في الدنيا، ومثواكم في قبوركم.

وقيل: متقلبكم من أصلاب الاباء إلى أرحام الأمهات، وبطونهن، ومثواكم في الدنيا، وفي القبور. والمعنى: أنه تعالى عالم بجميع أحوالكم، فلا يخفى عليه شيء منها، وإن دقّ وخفي.

هذا؛ و (مثواكم) بمعنى: مقركم، ومقامكم، وهو مشتق من ثوى بالمكان: إذا أقام به، يثوي ثواء، وثويا، مثل مضى، يمضي، مضاء، ومضيّا، ولو كان من: أثوى؛ لكان: مثوى، وهذا يدلّ على أن ثوى هي اللغة الفصيحة، وحكى أبو عبيد أثوى، وأنشد قول الأعشى من قصيدته التي نظمها في مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم: [الكامل] أثوى وقصّر ليلة ليزوّدا... ومضى وأخلف من قتيلة موعدا

والأصمعي لا يعرف إلا ثوى، ويروي البيت (أثوى) على الاستفهام. وأثويت غيري يتعدى، ولا يتعدى. هذا؛ ومثوى بمعنى مأوى، والفرق بينهما: أن المثوى مكان الإقامة المنبئة

<<  <  ج: ص:  >  >>