للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو معدوم في هذا الزّمن؛ الذي فسد أهله، وصاروا خلّا ودودا، كما قال القائل: [الوافر]

سألت النّاس عن خلّ ودود... فقالوا: النّاس من خلّ ودود

فقلت: أليس فيهم ذو وفاء؟ ... فقالوا: كان ذلك في الجدود

احفظ البيتين، ولا تنس ما فيهما من الجناس التام، لذا فإنه لا وجود للصديق بالمعنى الحقيقي، بل صار وجوده مستحيلا، كما قال: [الكامل]

قد قيل: إنّ المستحيل ثلاثة... الغول والعنقاء والخلّ الوفي

وقال الآخر: [الوافر]

سألت النّاس عن خلّ وفيّ... فقالوا ما إلى هذا سبيل

تمسّك إن ظفرت بذيل حرّ... فإنّ الحرّ في الدّنيا قليل

وممّا هو جدير بالذكر: أنّ كل صداقة لا تكون على أساس من التّقوى تنقلب عداوة في الدنيا والآخرة، خذ قوله تعالى في سورة (الزخرف): {الْأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} وانظر نتيجة صداقة إبليس اللّعين في سورة (إبراهيم) رقم [٢٢] وفي سورة (ق) أيضا.

وفي مصنّف أبي داود عن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الرّجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» ولقد أحسن من قال: [السريع]

من لم تكن في الله خلّته... فخليله منه على خطر

{وَلا شَفاعَةٌ} أي: ولا يقبل منها شفاعة، كما في الآية رقم [٤٨]. والشّفاعة: التوسّل، وابتغاء الخير، والذي يكون منه التوسّل يسمّى الشّفيع، والشفاعة في الدّنيا تكون حسنة، وتكون سيئة، فالأولى هي التي روعي فيها حقّ مسلم، أو دفع بها عنه شر، أو جلب إليه خير، وابتغي بها وجه الله، ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز، لا في حدّ من الحدود، ولا في حق من حقوق العباد، والسيئة ما كانت بخلاف ذلك، وقيل: الشفاعة الحسنة هي الدّعوة للمسلم؛ لأنّها بمعنى الشّفاعة إلى الله تعالى، فعن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من دعا لأخيه بظهر الغيب، استجيب له، وقال له الملك: ولك مثل ذلك» فذلك النصيب الذي ذكر الله بقوله: {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها} رقم [٨٥] من سورة (النساء)، وروى مسلم عن أمّ الدّرداء-رضي الله عنهما-، قالت: حدّثني سيّدي: أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:

«إذا دعا الرّجل لأخيه بظهر الغيب. قالت الملائكة: ولك بمثله».

ولا ريب: أنّ المراد بالشفاعة في هذه الآية الشّفاعة يوم القيامة، والشّفاعة العظمى مختصة بنبينا صلّى الله عليه وسلّم ثمّ يتلوها شفاعات أخر، كما هو معلوم من الدين، وأحكامه، وهو مذهب أهل الحقّ، والسّنّة، والجماعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>