للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن جرير: هو راجع إلى قوله في سورة (النصر): {وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوّاباً} {لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ}. وقيل: إن الفتح لم يجعل سببا للمغفرة، ولكن لاجتماع ما قدر له من الأمور الأربعة المذكورة، وهي: المغفرة، وإتمام النعمة، وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز، كأنه قال: يسّرنا لك الفتح، ونصرناك على عدوك، وغفرنا لك ذنبك، وهديناك صراطا مستقيما؛ ليجتمع لك عزّ الدارين، وأغراض العاجل، والاجل.

وقيل: يجوز أن يكون الفتح سببا للغفران؛ لأنه جهاد للعدو، وفيه الثواب، والمغفرة مع الظفر بالعدو، والفوز بالفتح. وقيل: لما كان هذا الفتح سببا لدخول مكة، والطواف بالبيت؛ كان ذلك سببا للمغفرة. ومعنى الاية: ليغفر لك الله جميع ما فرط منك ما تقدم من ذنبك.

يعني: قبل النبوة، {وَما تَأَخَّرَ} يعني: بعدها، وهذا على قول من يجوّز الصغائر على الأنبياء.

وقال عطاء الخراساني: {ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} يعني: من ذنب أبويك: آدم، وحواء ببركتك.

{وَما تَأَخَّرَ} من ذنوب أمتك بدعائك لهم. أقول: وهذا لا وجه له ألبتّة. وقال سفيان الثوري: {ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} ما كان منك قبل النبوة. {وَما تَأَخَّرَ} يعني: كل شيء لم تعمله. ويذكر مثل هذا على طريق التأكيد، كما تقول: أعط من تراه، ومن لم تره، واضرب من لقيت، ومن لم تلقه. فيكون المعنى: ما وقع لك من ذنب، وما لم يقع فهو مغفور لك. وهذا مثل سابقه لا وجه له.

وقيل: المراد منه: ما كان من سهو، وغفلة، وتأول؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن له ذنب كذنوب غيره، فالمراد بذكر الذنب هنا ما عسى أن يكون وقع منه من سهو، ونحو ذلك؛ لأنّ حسنات الأبرار سيئات المقربين، فسماه ذنبا، فما كان من هذا القبيل وغيره فهو مغفور له، فأعلمه الله عزّ وجل بذلك، وأنه مغفور له؛ ليتم نعمته عليه. انتهى. خازن.

أقول: وهذا هو المعتمد، وبالله التوفيق، وقد يكون من باب الأولى كالذي صدر منه صلّى الله عليه وسلّم في الإذن للمنافقين في التخلف في غزوة تبوك، وأخذه الفداء من أسرى بدر، وهمه قطع يد اليهودي في قصة طعمة بن أبيرق، انظر الاية رقم [١٠٦] من سورة (النساء) ورقم [٤٣] من سورة (التوبة) تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك. {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ:} بالنبوة والحكمة، وما أعطاك من الفتح المبين، والنصر، والتمكين، وخضوع من استكبر، وطاعة من تجبّر. {وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً} أي: يثبتك الله على الصراط المستقيم، وهو الإسلام، والمعنى: ليجمع لك الله مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة، والهداية إلى دين الإسلام. {وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً} أي: قويا غالبا منيعا، لا يتبعه ذل، واستكانة. وقد حقّق الله وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده. ومعنى:

{عَزِيزاً:} ذا عزّ لا ذلّ معه. وهذا جواب عمّا يقال: كيف أسند العزيز إلى ضمير النصر؟! مع أنّ العزيز من له النصر، وتقرير الجواب: أنّ صيغة فعيل هنا للنسبة، فالعزيز بمعنى: ذي العزة، فالمعنى نصرا ذا عزة، ومنعة لا ذل فيه، وكونه ذا منعة يمنعه عن أن يصيبه مكروه، فإسناده العزيز بهذا المعنى إلى ضمير النصر حقيقة. انتهى. جمل نقلا من زاده. وخذ ما يلي:

<<  <  ج: ص:  >  >>