الكفار، ففعل ذلك، ووافاهم عند الغروب، فسمع منهم أذان صلاتي: المغرب، والعشاء، ووجدهم باذلين وسعهم، ومجهودهم في امتثال أمر الله، فأخذ منهم زكاة أموالهم، ولم ير منهم إلاّ الطاعة، والخير، وانصرف إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأخبره الخبر، فنزلت الاية الكريمة.
وقال الرازي-رحمه الله تعالى-: هذا ضعيف؛ لأنّ الله تعالى لم يقل: إني أنزلتها لكذا، والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم ينقل عنه: أنه قال: وردت الاية لبيان ذلك فقط. غاية ما في الباب: أنها نزلت في ذلك الوقت، وهو مثل تاريخ نزول الاية. انتهى. جمل نقلا من الخطيب وغيره. وقال الخازن:
وقيل: هو عام، نزلت لبيان التثبت، وترك الاعتماد على قول الفاسق. وهذا أولى من حمل الاية على رجل بعينه. انتهى.
رحم الله تعالى الرازي لم يقل الله تعالى في بيان نزول آية من آيات القرآن نزلت في كذا صراحة، ورحم الله الخازن أيضا من المعلوم: أنّ خصوص السبب لا يمنع التعميم، وقد ذكرت هذا مرارا، وتكرارا، وما نقلته من الكشاف يؤكد أن الاية نزلت فيه، وبسببه، وحكمها عام إلى يوم القيامة بلا ريب. وبعد: فهذا أمر عجيب حقا رجل من الصحابة الذين تشرّفوا بصحبة النبي، وتمتعوا بمجالسته، ومحادثته يكذب مرة واحدة، فيحكم الله عليه بأنه أصبح فاسقا؛ أي: خارجا عن الحق، بعيدا عن الدين، ضالا عن الصراط المستقيم، فما بالك بمن لا يتكلم إلاّ بالكذب، وقد لا يكتفي به، فيؤكد بيمين، أو أكثر؟! وما بالك بمن يختلق الأقوال الكاذبة، والأخبار المصطنعة، والأنباء الملفقة؟! وهل هذا يكون من المؤمنين؟ كلاّ، ثمّ كلاّ!
هذا؛ وانظر شرح: الفاسق، والفسوق في الاية رقم [٥٤] من سورة (الزخرف)، وشرح:
«الجهل» في الاية رقم [٢٣] من سورة (الأحقاف). أما الندم فهو ضرب من الغم، وهو أن تغتم على ما وقع منك، تتمنى أنه لم يقع، وهو غم يصحب الإنسان صحبة لها دوام، ولزام؛ لأنه كلما تذكر المتندّم عليه راجعه، من: الندام، وهو لزام الشريب ودوام صحبته. ومن مقلوباته:
أدمن الأمر: أدامه. ومدن بالمكان: أقام به، ومنه: المدينة، وقد تراهم يجعلون الهمّ صاحبا، ونجيا، وسميرا، وضجيعا، وموصوفا بأنه لا يفارق صاحبه. انتهى. كشاف.
الإعراب: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر الاية رقم [١]. {إِنْ:} حرف شرط جازم. {جاءَكُمْ:}
فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط. {فاسِقٌ:} فاعله. {بِنَبَإٍ:} متعلقان بالفعل (جاء)، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي.
{فَتَبَيَّنُوا:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (تبينوا): فعل أمر مبني على حذف النون... إلخ، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محلّ لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد. {إِنْ:} حرف مصدري، ونصب.
{تُصِيبُوا:} مضارع منصوب ب: «أن»، وعلامة نصبه حذف النون... إلخ، والواو فاعله، و {إِنْ}