للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا رد على المعتزلة، والقدرية، والإمامية، وغيرهم حسب ما تقدم كثيرا. فالله سبحانه هو المتفرّد بخلق ذوات الخلق، وخلق أفعالهم، وصفاتهم، واختلاف ألسنتهم، وألوانهم لا شريك له في ملكه، ولا مناوئ له في سلطانه، فمنه الهداية للإيمان، والتوفيق للطاعة.

{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يريد الكذب خاصة.

{وَالْعِصْيانَ:} جميع المعاصي على جميع أنواعها، وتفاوت مراتبها، ودرجاتها. قال الخازن:

وفي هذه لطيفة، وهو أنّ الله تعالى ذكر هذه الثلاثة الأشياء في مقابلة الإيمان الكامل المزيّن في القلب، المحبّب إليه. والإيمان الكامل ما اجتمع فيه ثلاثة أمور: تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان، فقوله: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ} في مقابلة: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ} وهو التصديق بالجنان. وقوله: {وَالْفُسُوقَ} وهو الكذب في مقابلة الإقرار باللسان. وقوله:

{وَالْعِصْيانَ} في مقابلة العمل بالأركان، فكره للمؤمنين الصادقين العصيان، وحبّب إليهم العمل الصالح بالأركان، وهذا من فضله، وكرمه، وجوده، وإنعامه، كما قال تعالى: {فَضْلاً..}. إلخ.

{أُولئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ:} إشارة إلى المؤمنين المحبّب إليهم الإيمان، المزيّن في قلوبهم؛ أي: أولئك هم المهتدون إلى محاسن الأعمال، ومكارم الأخلاق. والرشد: الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه. من: الرشادة، وهي الصخرة. قال أبو الوازع: كل صخرة رشادة، وأنشد: [الوافر] وغير مقلّد وموشّمات... صلين الضّوء من صمّ الرّشاد

فهو يصف صلابة النوق، وقوتها على السير بحيث يظهر شرر من الأحجار في سيرها، وأنها اليعملات غير المولدات والموشمات المنحر. ولا تنس الطباق بين (حبّب) و (كرّه).

الإعراب: {وَاعْلَمُوا:} الواو: حرف عطف. (اعلموا): فعل أمر مبني على حذف النون... إلخ، والواو فاعله، والألف للتفريق. {أَنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {فِيكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر: {أَنَّ} تقدم على اسمها. {رَسُولَ:} اسم {أَنَّ} مؤخر، و {رَسُولَ:} مضاف، و {اللهِ:} مضاف إليه، و {أَنَّ} واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سدّ مسد مفعولي (اعلموا)، والجملة الفعلية هذه معطوفة على جملة: (تبينوا...) إلخ فهي في محل جزم مثلها. {لَوْ:} حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. {يُطِيعُكُمْ:} مضارع، والفاعل يعود إلى {رَسُولَ اللهِ،} والكاف مفعول به. {فِي كَثِيرٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنَ الْأَمْرِ:}

متعلقان ب‍: {كَثِيرٍ،} أو بمحذوف صفة له، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال:

لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لَعَنِتُّمْ:} اللام: واقعة في جواب {لَوْ}. (عنتم): فعل، وفاعل، والجملة الفعلية جواب: {لَوْ،} لا محلّ لها، و {لَوْ} ومدخولها في محل نصب حال من الضمير المجرور في: {فِيكُمْ،} أو من الضمير المستتر فيه، والمعنى: أنه فيكم كائنا على حالة

<<  <  ج: ص:  >  >>