للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قعيدان؛ وهما اثنان؛ لأنّ المراد عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه. ومنه قول قيس بن الخطيم الأوسي-وهو الشاهد رقم [١٠٥٣] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [المنسرح] نحن بما عندنا، وأنت بما... عندك راض والرّأي مختلف

التقدير: نحن بما عندنا راضون، وقال الجوهري: فعيل، وفعول مما يستوي فيه الواحد، والاثنان، والجمع، كقوله تعالى: {إِنّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ} رقم [١٦] من سورة (الشعراء) انظر شرحها هناك؛ فإنه جيد. {ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ:} عنده. {رَقِيبٌ عَتِيدٌ} أي: حافظ حاضر أينما كان سوى وقت الغائط، وعند جماعه، فإنهما يتأخران عنه، فلا يجوز للإنسان أن يتكلم في هاتين الحالتين؛ حتى لا يؤذي الملائكة بدنوهما منه، وهو على تلك الحالة؛ حتى يكتبا ما يتكلم به. قيل: إنهما يكتبان عليه كل شيء يتكلّم به حتى أنينه في مرضه. وقيل: لا يكتبان إلا ما له أجر، وثواب، أو عليه وزر، وعقاب.

هذا؛ وتفسير {عَتِيدٌ} بحاضر يجعله صفة: {رَقِيبٌ،} والمعروف والمشهور: أنهما ملكان:

الأول: رقيب، وهو كاتب الحسنات، والثاني: عتيد وهو كاتب السيئات، وهما من الملائكة المقربين العشرة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، ومنكر، ونكير، ورقيب، وعتيد، وخازن الجنة رضوان، وخازن النار مالك-رضي الله عنهم-. وقد أزاح هذه الشبهة الجلال بقوله: وكلّ منهما بمعنى المثنى.

قال الجمل معلقا: أي: الرقيب، والعتيد بمعنى المثنى، فالمعنى: إلا لديه ملكان موصوفان بأنهما رقيبان، وعتيدان، فكل منهما موصوف بأنه {رَقِيبٌ} أي: حافظ للأعمال، و {عَتِيدٌ} أي:

حاضر عند العبد، لا يفارقه في نوم، ولا في يقظة، فالكاتبان اثنان فقط، وإن كانا يتبدلان ليلا، ونهارا. ولا حاجة إلى هذا كله، بل الأولى جعل الوصفين لشيء واحد؛ أي: إلا لديه ملك موصوف بأنه رقيب، وعتيد؛ أي: حافظ حاضر، والمراد بذلك الملك اثنان: كاتب الحسنات، وكاتب السيئات، فكل منهما يقال له: رقيب عتيد. انتهى. وخذ ما يلي:

عن أنس-رضي الله عنه-: أنّ نبي الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله وكّل بعبده ملكين يكتبان عمله، فإذا مات؛ قالا: ربنا قد مات فلان فائذن لنا أن نصعد إلى السماء! فيقول الله تعالى: إنّ سمواتي مملوءة من ملائكتي يسبحونني، فيقولان: ربّنا نقيم في الأرض، فيقول الله تعالى: إن أرضي مملوءة من خلق يسبحونني، فيقولان: يا ربّ فأين نكون؟ فيقول الله تعالى: كونا على قبر عبدي فكبّراني، وهلّلاني، وسبّحاني، واكتبا ذلك لعبدي إلى يوم القيامة». أقول: وهذا إن كان العبد الموكل به الملكان مؤمنا، وأما إن كان كافرا، وفاجرا، وفاسدا في حياته؛ فلا شك: أنّ الله تعالى يقول لملكيه: قفا على قبره، والعناه؛ حتى يبعث من قبره! والله أعلم، وأجلّ، وأكرم، وصلّى الله على الهادي، وسلّم. وانظر ما ذكرته بشأن الحفظة في الاية رقم [١١] من سورة (الرعد).

<<  <  ج: ص:  >  >>