للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لشرف ذواتها، ولما فيها من الدلالة على عجيب صنعه، وقدرته.

والمعنى: أقسم بالذاريات، وبهذه الأشياء. ومثل هذا كثير في أوائل السور، وأثنائها. قال الشعبي-رحمه الله تعالى-: الخالق يقسم بما شاء من خلقه، والمخلوق لا ينبغي أن يقسم إلا بالخالق. وقال أبو حيان-رحمه الله تعالى-: أقسم الله بهذه الأشياء تشريفا لها، وتنبيها على ما يظهر فيها من عجائب صنع الله، وقدرته، وقوام الوجود بإيجادها. وقيل: فيه مضمر، تقديره:

ورب الذاريات... إلخ. هذا؛ ووقع جواب القسم في سورة (المرسلات) قوله: {إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ} وهو يشبه الجواب هنا.

بقي أن تعرف حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات، كما في هذه الايات، وفي أوائل (الصافات) وأوائل (المرسلات) و (النازعات) ومنه قول ابن زيابة، وهو الشاهد رقم [٢٩٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [السريع] يا لهف زيّابة للحارث الصّ‍... ابح فالغانم فالايب

قيل: إما أن تدل على ترتيب معانيها في الوجود، كما في هذا البيت، كأنه قال: الذي صبح، فغنم، فآب. وإما أن تدل على ترتيب موصوفاتها في ذلك، كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «رحم الله المحلّقين، فالمقصّرين» وإما على ترتيبها في التفاوت من بعض الوجوه، كقولك: خذ الأفضل، فالأكمل، واعمل الأحسن، فالأجمل. انتهى.

الإعراب: {وَالذّارِياتِ:} الواو: حرف قسم وجر. (الذاريات): مقسم به مجرور، أو المقسم به محذوف، كما رأيت تقديره في الشرح، والجار والمجرور على الاعتبارين متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم، وفاعل (الذاريات) مستتر فيه، ومفعوله محذوف، التقدير: الذاريات التراب ونحوه.

{ذَرْواً:} مفعول مطلق، عامله: (الذاريات)، والجملة القسمية ابتدائية، لا محلّ لها. {فَالْحامِلاتِ:}

معطوف على (الذاريات)، وفاعله مستتر فيه أيضا. {وِقْراً:} مفعول به له. (الجاريات): معطوف على ما قبله أيضا، وفاعله مستتر فيه. {يُسْراً:} صفة مفعول مطلق، التقدير: جريا ذا يسر، أو هو مصدر في موضع الحال؛ أي: ميسرة. {فَالْمُقَسِّماتِ:} معطوف على ما قبله، وفاعله مستتر فيه.

{أَمْراً:} مفعول به. وقيل: هو حال بمعنى مأمورة، والأول أقوى. {إِنَّما:} (إنّ): حرف مشبه بالفعل. (ما): اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم (إنّ). {تُوعَدُونَ:} مضارع مبني للمجهول مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون... إلخ، والواو نائب فاعله، وهو المفعول الأول، والمفعول الثاني محذوف، وهو العائد؛ إذ التقدير: إن الذي توعدونه. هذا؛ وإن اعتبرت (ما) مصدرية؛ فتؤول مع ما بعدها بمصدر في محل نصب اسم (إنّ)، التقدير: إن وعد الله لكم لصادق.

{لَصادِقٌ:} اللام: هي المزحلقة. (صادق): خبر: (إنّ)، والجملة الاسمية جواب القسم، لا محلّ لها، وجملة: {وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ} معطوفة عليها، وإعرابها واضح إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>