للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في تحقق ذلك، ففيه تشبيه تحقق ما أخبر الله عنه، ووعد به من الرزق بتحقق نطق الادمي. وخذ ما يلي:

عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو فرّ أحدكم من رزقه؛ أدركه، كما يدركه الموت». رواه الطبراني، وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس اتقوا الله، وأجملوا في الطلب، فإنّ نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطّلب، خذوا ما حلّ، ودعوا ما حرم». رواه ابن ماجه، والحاكم.

روي أن قوما من الأعراب زرعوا زرعا، فأصابته جائحة، فحزنوا لأجله، فخرجت عليهم أعرابية، فقالت: ما لي أراكم قد نكستم رؤوسكم، وضاقت صدوركم؟! هو ربنا والعالم بنا، رزقنا عليه، يأتينا به من حيث شاء، ثم أنشأت تقول: [البسيط] لو كان في صخرة في البحر راسية... صما ململمة ملسا نواحيها

رزق لنفس يراه الله لانفلقت... حتّى تؤدّي إليها كلّ ما فيها

أو كان بين طباق السبع مسلكها... لسهّل الله في المرقى مراقيها

حتى تنال الّذي في اللّوح خطّ لها... إن لم تنله وإلا سوف يأتيها

ولكن الناس في هذه الأيام لا يؤمنون بهذا، ويعتبرون جمع المال من أي طريق كان شطارة، ويعتبرون اللف، والدوران، والغش، والتدليس حذقا، ومهارة، فلا حول، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! وخذ ما يلي: فعن الأصمعي-رحمه الله تعالى-أنه قال: أقبلت من جامع البصرة، فطلع أعرابي على قعود له، فقال: ممن الرجل؟ فقلت: من بني أصمع، قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن، قال: اتل عليّ، فتلوت: {وَالذّارِياتِ} فلما بلغت: {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ} قال: حسبك، فقام إلى ناقته فنحرها، ووزعها على من أقبل، وأدبر، وعمد إلى سيفه، وقوسه، فكسرهما، وولّى، فلما حججت مع الرشيد، وطفقت أطوف، فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق، فالتفت؛ فإذا أنا بالأعرابي قد نحل، واصفر، فسلام عليّ، واستقرأ السورة، فلما بلغت الاية صاح، وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت {فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} فصاح، وقال: يا سبحان الله! من ذا الذي أغضب الجليل؛ حتى حلف؟ لم يصدقوه بقوله حتى حلف! قالها ثلاثا، وخرجت معها نفسه. انتهى. كشاف، وقرطبي، ونسفي.

فائدة: القسم أمران: أحدهما: أن العادة جارية بتأكيد الخبر في اليمين. والثاني: أنّ في إقسام الله تعالى باسمه مضافا إلى السماء، والأرض رفعا منه لشأنهما، كما رفع من شأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى في سورة (مريم) رقم [٦٨]: {فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ..}. إلخ ومثلها في سورة (النساء) رقم [٦٥]. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>