أقول: ومن شواهده أيضا قول جرير. وهو الشاهد رقم [٩٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [البسيط] جاء الخلافة أو كانت له قدرا... كما أتى ربّه موسى على قدر
{فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ:} فأغرقناهم في البحر. {وَهُوَ مُلِيمٌ:} آت بما يلام عليه، من كفره، وعناده، وإنما وصف يونس على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام في سورة (الصافات) رقم [١٤٢] بقوله تعالى: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} لأنّ موجبات اللوم تختلف، وعلى حسب اختلافها، تختلف مقادير اللوم، فراكب الكفر ملوم على مقداره، وراكب الكبيرة، أو الصغيرة على مقدارها؛ ألا ترى إلى قوله تعالى:{وَعَصَوْا رُسُلَهُ} وقوله جلّ ذكره: {وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ} لأنّ الكبيرة، والصغيرة يجمعهما اسم العصيان، كما يجمعهما اسم القبيح، والسيئة.
هذا؛ و (سلطان): تسلط، وولاية، ويأتي بمعنى: الحجة، والبرهان، كما هنا، ويأتي بمعنى: الكتاب. قال تعالى في سورة (الروم) رقم [٣٥]: {أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}. وقال بعض المحققين: سميت الحجة سلطانا؛ لأن صاحب الحجة يقهر من لا حجة له، كالسلطان يقهر غيره بقوته. وقال الزجاج: السلطان هو الحجة، وسمّي السلطان سلطانا؛ لأنه حجة الله في أرضه. انتهى. ولا تنس ما قاله عثمان بن عفان-رضي الله عنه-:
(إنّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) أي: يكف عن المعاصي، ويردع، وجمعه بمعنى الحاكم، والمالك: سلاطين، ولا يجمع إذا كان بمعنى الحجة، والبرهان. هذا؛ وزعم الفراء:
أن العرب تؤنث السلطان، تقول: قضت به عليك السلطان، أما البصريون فالتذكير عندهم أفصح، وبه جاء القرآن الكريم، والتأنيث عندهم جائز؛ لأنه بمعنى الحجة. هذا؛ والسلطان ما يدفع به الإنسان عن نفسه أمرا يستوجب به عقوبة، كما قال تعالى حكاية عن قول سليمان-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-في حق الهدهد في سورة (النمل) رقم [٢١]: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ}.
أما {مُبِينٍ} فهو اسم فاعل من: أبان الرباعي، أصله مبين بسكون الباء، وكسر الياء، فنقلت كسرة الياء إلى الباء بعد سلب سكونها؛ لأن الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة.
ولا تنس: أن اسم الفاعل من «بان» الثلاثي بائن أصله باين، وإعلاله مثل إعلال قائل.
الإعراب:{وَفِي:} الواو: حرف عطف. (في موسى): قال الزمخشري، ووافقه النسفي، والبيضاوي: معطوفان على قوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ} رقم [٢٠]، ورده ابن هشام بقوله:
وفيه بعد، وإنما هما معطوفان على:{فِيها} من قوله: {وَتَرَكْنا فِيها آيَةً..}. إلخ. وقال الزمخشري أيضا: أو هما معطوفان على قوله: {وَتَرَكْنا فِيها آيَةً} على معنى: وجعلنا في موسى آية، كقول الشاعر: وهذا هو الشاهد رقم [١٠٧٤] من كتابنا «فتح القريب المجيب»: [الرجز]