جمع: أعمى، وهو فاقد البصر، وتعامى الرّجل: أرى ذلك من نفسه، وعمي عليه الأمر: إذا التبس، ومنه قوله تعالى في سورة (القصص) رقم [٦٦]: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ} هذا ولم يكن المنافقون والكافرون صمّا، ولا بكما، ولا عميا، وإنّما المراد أنّهم صمّ عن الحقّ، فلا يسمعونه سماع قبول، وأنّهم بكم؛ أي: خرس عن الحقّ، والهدى، فلا ينطقون به، وأنّهم عمي عن طريق الهدى، والنور، فلا يبصرونه. وقال الزمخشري، وتبعه النّسفي، والبيضاويّ: كانت حواسّهم سليمة، ولكن لمّا سدّوا عن الإصاخة إلى الحق مسامعهم، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، وأن ينظروا، ويتبصّروا بعيونهم؛ جعلوا كأنما ماتت مشاعرهم، وانتفت قواهم، كقول قعنب ابن أمّ صاحب، وهو الشاهد رقم [١١٧٦] من كتابنا فتح القريب، والشاهد رقم [١٦٤] من كتابنا فتح رب البرية: [البسيط]
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا... منّي وما يسمعوا من صالح دفنوا
صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به... وإن ذكرت بسوء عندهم أذّنوا
وقال آخر:[الطويل]
أصمّ عن الشّيء الّذي لا أريده... وأسمع خلق الله حين أريد
هذا وفي قوله تعالى:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} تشبيه بليغ؛ لأنه حذف منه وجه الشبه، وأداة التشبيه، فأصبح بليغا.
{فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} أي: عن غيّهم، وضلالهم إلى الحقّ الذي باعوه، وإلى الهدى الّذي ضيّعوه، وعن الضلالة التي استبدلوها بالهدى، والنّور. هذا؛ والفعل: رجع، يرجع يستعمل لازما، وهو كثير كما في هذه الآية، ومتعدّيا، كما في قوله تعالى:{فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ} الآية رقم [٨٣] من سورة (التوبة)، وقوله تعالى في سورة (سبأ) رقم [٣١]: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ} معناه: يتلاومون فيما بينهم.
الإعراب:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} يجوز أن تكون هذه الأسماء أخبارا متعددة لمبتدإ محذوف، وأن تكون أخبارا لمبتدآت محذوفة، والجملة الاسمية الواحدة، أو الجمل المتعددة في محل نصب حال من واو الجماعة في الآية السابقة، والرابط: الضمير فقط، وهو المبتدأ المقدّر ب «هو» والاستئناف ممكن، فلا يكون لها محلّ من الإعراب.
{فَهُمْ:} الفاء: حرف عطف، وسبب. (هم): ضمير منفصل مبني على السّكون في محل رفع مبتدأ، والجملة الفعلية المنفية:{لا يَرْجِعُونَ} في محل رفع خبره، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها على الاعتبارين فيها.