تعيين للذي أسلم، وقال مقاتل: كان الوليد قد مدح القرآن، ثم أمسك عنه، فأنزل الله:{وَأَعْطى قَلِيلاً} أي: من الخير بلسانه {وَأَكْدى} أي: قطع ذلك، وأمسك عنه. وهذا الذي أعتمده، كما ستقف عليه في سورة (المدثر) إن شاء الله تعالى فإنه سمع القرآن من النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم أتى مجلس قومه من بني مخزوم، فقال: والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما، ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى عليه. هذا؛ وذكر السيوطي روايتين في أسباب النزول لا أعتمدهما. وذكر الزمخشري، والقرطبي: أنها نزلت في عثمان بن عفان-رضي الله عنه-كان يتصدق، وينفق في الخير، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن أبي سرح: ما هذا الذي تصنع؟ يوشك ألا يبقى لك شيء. فقال عثمان: إن لي ذنوبا، وخطايا، وإني أطلب بما أصنع رضا الله تعالى، وأرجو عفوه! فقال له عبد الله: أعطني ناقتك برحلها، وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها. فأعطاه، وأشهد عليه، وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة، فأنزل الله تعالى الايتين، فعاد عثمان إلى أحسن ذلك، وأجمله. فهذه الرواية باد عليها الضعف.
هذا؛ ومعنى (أرأيت) أخبرني، ومعنى {تَوَلّى:} أعرض عن الإيمان بعد أن شارفه، وقاربه، ومعنى (أكدى): قطع، ومنع، وأصله من الكدية، يقال لمن حفر بئرا، ثم بلغ إلى حجر، لا يتهيأ له فيه حفر: قد أكدى، ثم استعملته العرب لمن أعطى، ولم يتمم، ولمن طلب شيئا، ولم يبلغ آخره، قال الحطيئة:[الطويل] فأعطى قليلا ثمّ أكدى عطاءه... ومن يبذل المعروف في الناس يحمد
قال الكسائي، وغيره: أكدى الحافر، وأجبل: إذا بلغ في حفره كدية، أو جبلا، فلا يمكنه أن يحفر. قال الزمخشري: ثم استعير، فقيل: أجبل الشاعر: إذا أفحم. {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ} أي: أعند هذا المكدي علم ما غاب عنه من أمر العذاب؟! {فَهُوَ يَرى} أي: يعلم ما غاب عنه من أمر الاخرة، وما يكون من أمره؛ حتى يضمن حمل العذاب عن غيره. وفي الكلام استعارة تصريحية؛ لأنه استعير الإعراض، والإدبار لعدم الدخول في الإيمان، وهو في الأصل يكون في الأجسام. وأيضا يوجد استعارة بقوله:(أكدى).
الإعراب:{أَفَرَأَيْتَ:}(الهمزة): حرف استفهام إنكاري. (الفاء): حرف استئناف. وقيل:
عاطفة على محذوف. (رأيت): فعل، وفاعل. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول. {تَوَلّى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل مستتر تقديره:«هو» يعود إلى الذي، وهو العائد، والمتعلق محذوف، التقدير: تولى عن الإيمان، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {وَأَعْطى:} الواو: حرف عطف.
(أعطى): ماض، وفاعله يعود إلى {الَّذِي}. {قَلِيلاً:} مفعول به، وقيل: صفة مفعول مطلق