للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى} أي: ملّك عباده المال، وجعله قنية لهم، مقيما عندهم، لا يحتاجون إلى بيعه، فهذا تمام النعمة عليهم. وقال ابن زيد: أغنى من شاء، وأفقر من شاء، ثم قرأ:

{يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} وفي الكشاف: أقنى: أعطى القنية، وهي المال الذي تأثلته، وعزمت أن لا تخرجه من يدك. انتهى. وقال سفيان: أغنى بالقناعة، وأقنى بالرضا.

والفصل بالضمير للتأكيد على أن المعطي، والمانع هو الله سبحانه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.

{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى:} وهي الكوكب المضيء الذي يطلع بعد الجوزاء، وطلوعه في شدة الحر، وهما الشعريان: العبور، والأخرى: الغميصاء سميت بذلك لأنها أخفى من العبور، والمجرة بينهما، وتزعم العرب: أنهما أختا سهيل، وإنما ذكر: أنه رب الشعرى، وإن كان ربا لغيره؛ لأن العرب كانت تعبده، فأعلمهم الله عز وجل أن الشعرى مربوب، وليس برب.

واختلف فيمن كان يعبده، فقال السدي: كانت تعبده حمير، وخزاعة. وقال غيره: أول من عبده أبو كبشة أحد أجداد النبي صلّى الله عليه وسلّم، من قبل أمهاته، ولذلك كان مشركو قريش يسمون النبي صلّى الله عليه وسلّم ابن أبي كبشة، وقد كان من لا يعبد الشعرى من العرب يعظمها، ويعتقد تأثيرها في العالم، قال الشاعر: [الوافر] مضى أيلول وارتفع الحرور... وأخبت نارها الشّعرى العبور

وهذا يفيد: أن العرب كانوا يعرفون تسمية الأشهر الميلادية، وهو غير موافق للحقيقة، وإنما كانوا لا يعرفون إلا الأشهر القمرية، والتسمية العربية المعروفة الان. {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى:} وهم قوم هود، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، أهلكوا بريح صرصر، وكان لهم عقب، فكانوا عادا أخرى. وقيل: الأخرى إرم المذكورة في سورة (الفجر)، وقال ابن زيد: قيل لها عادا الأولى؛ لأنها أول أمة أهلكت بعد نوح عليه السّلام. وقال ابن إسحاق: هما عادان: فالأولى أهلكت بالريح الصرصر، ثم كانت الأخرى، فأهلكت بالصيحة. {وَثَمُودَ فَما أَبْقى:} ثمود هم قوم صالح، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، أهلكهم الله بالصيحة فما أبقى منهم أحدا، وقد تقدمت قصة قوم عاد، وقوم ثمود مبسوطة في كثير من السور، مثل (الأعراف) وسورة (هود) وسورة (الشعراء) وغير ذلك، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَأَنَّ:} (الواو): حرف عطف. (أنّ): حرف مشبه بالفعل. {عَلَيْهِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر (أنّ)، تقدم على اسمها. {النَّشْأَةَ:} اسم (أنّ) مؤخر.

{الْأُخْرى:} صفة {النَّشْأَةَ} منصوب مثله، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف، والمصدر المؤول من (أنّ) واسمها، وخبرها معطوف على ما قبله. {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى} إعراب هذه الاية مثل إعراب: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى} بلا فارق بينهما. {وَأَنَّهُ:} (الواو): حرف عطف، (أنه):

<<  <  ج: ص:  >  >>