للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسحر الناس كلهم. أخرجه الترمذي. وزاد غيره: فكانوا يتلقّون الركبان، فيخبرونهم بأنهم قد رأوه، فيكذبونهم.

فهذه الأحاديث الصحيحة قد وردت بهذه المعجزة العظيمة مع شهادة القرآن المجيد بذلك، فإنه أدل دليل، وأقوى مثبت له، وإمكانه لا يشك فيه مؤمن؛ وقد أخبر عنه الصادق، فيجب الإيمان به، واعتقاد وقوعه.

وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم، قال الزجاج: وقد أنكرها بعض المبتدعة المضاهين لمخالفي الملة، وذلك لما أعمى الله قلوبهم، ولا إنكار للعقل فيها؛ لأن القمر مخلوق لله تعالى، يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه، ويكوره في آخر أمره، فأما قول بعض الملاحدة:

لو وقع هذا؛ لنقل متواترا، واشترك أهل الأرض كلهم في رؤيتهم له، ومعرفته، ولم يختص بها أهل مكة. فأجاب العلماء عن هذا بأن الانشقاق حصل في الليل، ومعظم الناس نيام غافلون، والأبواب مغلقة، وهم مغطون بثيابهم، فقل من يتفكر في السماء، أو ينظر إليها إلا الشاذ النادر ومما هو مشاهد معتاد: أن كسوف القمر وغيره مما يحدث في السماء بالليل من العجائب، والأنوار الطوالع، والشهب العظام، ونحو ذلك مما يقع، ولا يتحدث به إلا آحاد الناس، ولا علم عند غيرهم بذلك، لما ذكرناه من غفلة الناس به، وكان هذا الانشقاق آية عظيمة، حصلت في الليل لقوم سألوها، والتزموا رؤيتها، فلم يتأهب غيرهم لها. انتهى. خازن بتصرف بسيط.

{وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا:} دليل على وجود هذه الاية العظيمة، وقد كان ذلك في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والمعنى: وإن يروا آية تدل على صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعنى {يُعْرِضُوا} أي: عن الإيمان، والتصديق بما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: اجتمع المشركون إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقالوا: إن كنت صادقا فاشقق لنا القمر فرقتين: نصفا على أبي قبيس، ونصفا على قعيقعان. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن فعلت؛ تؤمنوا؟». قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر، فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ربه أن يعطيه ما قالوا، فانشق القمر فرقتين، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينادي المشركين: «يا فلان! يا فلان! اشهدوا!».

{وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ:} أي دائم مطرد، وكل شيء دام حاله قيل فيه: مستمر، وذلك لما رأوا تتابع المعجزات، وترادف الايات، فقالوا: هذا سحر مستمر. وقيل: مستمر؛ أي: قوي محكم شديد بعلوه، يعلو كل سحر. قال البحتري في وصف الذئب: [الطويل] طواه الطّوى حتّى استمرّ مريره... فما فيه إلاّ الروح والعظم والجلد

وانظر ما ذكرته في الاية رقم [٦] من سورة (النجم). وقيل: معناه: مرّ من المرارة، يقال:

أمرّ الشيء صار مرا، وكذلك مرّ الشيء. وإنما قالوا ذلك تمنية لأنفسهم وتعليلا. هذا؛ وفي قوله تعالى: {اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} تقديم، وتأخير، وبه قال القرطبي-رحمه الله تعالى-.

<<  <  ج: ص:  >  >>