{وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ} أي: على سفينة ذات ألواح من خشب عريض. {وَدُسُرٍ:} قال قتادة: يعني: المسامير؛ التي دسرت بها ألواح السفينة؛ أي: شدت. وقيل: الدسر صدر السفينة. وقيل: هي عوارض السفينة، وأضلاعها. وقيل: الألواح: جانبا السفينة، والدسر:
أصلها، وطرفاها. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الدّسر كلكل السفينة. والمتعمد الأول من هذه الأقوال، وهو الذي اقتصر عليه الجلال. هذا؛ وقال الزمخشري-رحمه الله تعالى-:
أراد بذات ألواح ودسر: السفينة، وهي من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات، فتنوب منابها، وتؤدي مؤداها بحيث لا يفصل بينها وبينها، ونحوه قول الشاعر:[الخفيف] مفرشي صهوة الحصان ولك... نّ قميصي مسرودة من حديد
أراد: ولكن: قميصي درع، ألا ترى أنك لو جمعت بين السفينة وبين هذه الصفة لم يصح، وهذا من فصيح الكلام، وبديعه. هذا؛ والدسر: جمع دسار، وهو المسمار، فعال من: دسره:
إذا دفعه؛ لأنه يدسر به منفذه. انتهى. كشاف بتصرف.
تنبيه: قال العلماء بالسير: أرسل الله المطر أربعين يوما وليلة، بالإضافة لما خرج من الأرض، كما بينته هذه الايات. يعني: صار الماء نصفين: نصفا من السماء، ونصفا من الأرض، وارتفع الماء على أعلى جبل، وأطوله أربعين ذراعا. وقيل: خمسة عشر ذراعا حتى أغرق كل شيء. وهذا يعني: أنه عمّ جميع الأرض، وأضيف أنه ذكر في الأثر أن الله تعالى لا يخلي الأرض من مطر في عام، أو عامين، وأنه ما نزل من السماء ماء قط إلا بحفظ ملك موكل به إلا ما كان من ماء الطوفان، فإنه نزل منه ما لا يحفظه الملك، وذلك قوله تعالى في سورة (الحاقة): {إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ}.
قال عبد الوهاب النجار-رحمه الله تعالى-: ويقول بعض علماء الجيولوجيا: إننا كلما بحثنا في أعالي الجبال وجدنا بقايا حيوانية من الأحياء التي لا تعيش إلا في الماء، وهذا يشير إلى أن الطوفان عم جميع الأرض، ويستأنس لذلك بقوله تعالى في سورة (الصافات) رقم [٧٧]:
{وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ} ويميل فريق إلى أن الطوفان لم يكن عامّا، بل طغيان الماء كان على الجهة التي كان يسكنها نوح، وقومه، ومال على ترجيح الثاني. وأرجح الأول، والله أعلم بمراده، وأسراره في كتابه.
تنبيه: قد يرد سؤال: كيف اقتضت الحكمة الإلهية إغراق من لم يبلغوا الحلم من الأطفال، ولم يدخلوا تحت التكليف بذنوب غيرهم، وكذلك إغراق البهائم، والهوام، والطير وغير ذلك من الحيوان، وإهلاك أطفال الأمم الكافرة مع آبائهم غير قوم نوح؟! والجواب الشافي عن هذا كله: أن الله سبحانه وتعالى متصرف في خلقه، وهو المالك المطلق يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. انتهى. خازن بتصرف كبير.