للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن كلّ أفنان اللذاذة والصّبا... لهوت به والعيش أخضر ناضر

وجمع عطاء بين القولين: فقال: في كل غصن فنون من الفاكهة. ومعنى {مَقامَ رَبِّهِ:} موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب. أو المعنى: وقوف العبد بين يدي الله تعالى في يوم القيامة لعلمه بأنه راجع إليه تعالى في ذلك اليوم الذي يفر المرء فيه من أخيه، وأمه، وأبيه، وصاحبته، وبنيه؛ لأن المقام للعبد، لا لله؛ لتنزهه عن المكان، وأضيف إليه تعالى؛ لملابسته له تعالى من حيث كونه بين يديه، ومقاما لحسابه.

هذا؛ و {مَقامَ} قرئ به في سورة (الدخان) بفتح الميم، وضمها. وقال الكسائي: المقام:

المكان. والمقام: الإقامة. وقال الجوهري: وأما المقام، والمقام؛ فقد يكون كل واحد منهما بمعنى: الإقامة، وقد يكون بمعنى: موضع القيام؛ لأنك إن جعلته من الثلاثي؛ فمفتوح، وإن جعلته من الرباعي؛ فمضموم، ويمكن أن يكون مصدرا ميميا، ويقدر فيه المضاف؛ أي: في موضع إقامة. هذا؛ وأصله (مقوم) فقل في إعلاله: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الواو إلى القاف قبلها.

ثم قل: تحركت الواو بحسب الأصل، وانفتح ما قبلها الان، فقلبت ألفا.

هذا؛ والخوف من الله شعار المقربين، وقرين المهتدين الصالحين، وهو بشير النجاة، والأمان الأكبر عند الله، وهو طريق لهداية القلوب النافرة، وسبيل لسلوك النفوس الحائرة، من استضاء بنوره؛ وصل، ومن تمسك بحبله؛ رشد، ومن أخذ نفسه به؛ هدي إلى صراط مستقيم، من خاف؛ سلم، ومن أطاع مولاه؛ غنم، ومن خاف ربه، وخشي ذنبه؛ استقام، واهتدى؛ لأنه علم: أن العمل اليوم، وأن الحساب غدا، لذلك كان الخوف من الله طريق الأنبياء، وحلية الأصفياء من الأتقياء، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشدّ الناس خوفا من ربه مع شدة قربه من خالقه، فكان يختلي وحده، ويقول: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وما تلذّذتم بطعام، ولا بشراب، ولا جلستم إلى نساء في فراش، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون، وتدعون إلى الله حتى تلقوه». وكان يجمع أصحابه، ويخوفهم في الله، ويقول لهم: «لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي، ولا بكم غدا». وانظر ما ذكرته في سورة: (النجم) رقم [٦٠] وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما يروي عن ربه-جل وعلا-: أنه قال:

«وعزّتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين، وأمنين! إذا خافني في الدّنيا؛ أمّنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدّنيا؛ أخفته في الاخرة». رواه ابن حبان في صحيحه. وعن واثلة بن الأسقع-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من خاف الله عزّ وجلّ خوّف الله منه كلّ شيء، ومن لم يخف الله؛ خوّفه الله من كلّ شيء». رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب. ولا تنس قوله تعالى في سورة (النازعات): {فَأَمّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى}

<<  <  ج: ص:  >  >>