للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} أي: لم يجامعهن قبل أزواجهن هؤلاء أحد. والطمث:

الافتضاض، وهو النكاح بالتّدمية، وطمث، يطمث من الباب الأول، والثاني طمثا إذا افتضها، ومنه قيل: امرأة طامث؛ أي: حائض، والطمث: الحيض، ومن الأول قول الفرزدق: [الوافر] خرجن إليّ لم يطمثن قبلي... وهنّ أصحّ من بيض النعام

فبتن بجانبيّ مصرّعات... وبتّ أفضّ أغلاق الختام

وعن الفرزدق: أن سليمان بن عبد الملك لما سمع البيتين، قال له: قد وجب عليك الحد يا فرزدق! قال: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عنّي الحد بقوله: {وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ} الايات من آخر سورة (الشعراء). وفي هذه الاية دليل على أن الجني يجامع الإنسي، وتدخل الجنّ الجنة. وسئل ضمرة بن حبيب: هل للجن ثواب؟ فقال: نعم، وقرأ هذه الاية، ثم قال الإنسيات للإنس، والجنيات للجن. وقال مجاهد في هذه الاية: إذا جامع الرجل المسلم، ولم يسم انطوى الجني على إحليله، فجامع معه، أقول: وقد بينات هذا في سورة (الإسراء) رقم [٦٤].

واختلف في هؤلاء اللواتي لم يطمثن، فقيل: هن الحور العين؛ لأنهن خلقن في الجنة لم يمسهن أحد قبل أزواجهن. وقيل: إنهن من نساء الدنيا، أنشئن خلقا آخر أبكارا، كما وصفهن لم يمسهن منذ أنشئن خلقا آخر أحد. وقيل: هن الادميات اللاتي متن أبكارا. ومعنى الاية المبالغة في نفي الطمث عنهن؛ لأن ذلك أقر لأعين أزواجهن إذا لم يغشهن أحد غيرهم. وانظر ما أذكره في سورة (الواقعة). هذا؛ وقد ذكرت فيما مضى: أن أبا حنيفة-رحمه الله تعالى-يقول: إن الجن المؤمنين لا يدخلون الجنة، وإن جزاءهم على طاعاتهم عدم دخول النار فبعد حضورهم الموقف يوم القيامة، ومحاسبتهم يصيرون ترابا كالبهائم. والمعتمد الأول. وبالله التوفيق وبه أستعين.

هذا؛ والإنس: البشر، الواحد: إنسي بكسر الهمزة فيهما، وجمع الإنسي: أناس، كما في قوله تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٧١]: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ..}. إلخ، وأناسيّ، كما في قوله تعالى في سورة (الفرقان): {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً} ويقال: أناسية، مثل: صيارفة وصياقلة. هذا؛ وسمي بنو آدم إنسا لظهورهم، وأنهم يؤنسون؛ أي: يبصرون، كما سمي الجن جنا لاجتنانهم؛ أي: لاختفائهم عن أعين البشر، وسمّي بنو آدم بشرا لبدوّ بشرتهم، كما رأيت في الاية رقم [٢٤] من سورة (القمر)، وانظر شرح {النّاسَ} في الاية رقم [٢٤] من سورة (الحديد). والله أعلم بمراده.

الإعراب: {فِيهِنَّ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والنون حرف دال على جماعة الإناث. {قاصِراتُ:} مبتدأ مؤخر، وهو مضاف، و {الطَّرْفِ} مضاف إليه، من إضافة اسم

<<  <  ج: ص:  >  >>