للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا». متفق عليه. وللبخاري: قلوبهم على قلب رجل واحد. وزاد فيه: «ولا يسقمون».

مجامرهم الألوة يعني: بخورهم العود. هذا؛ والياقوت جوهر نفيس، يقال: إن النار لا تؤثر فيه، ومن المعلوم: أن الياقوت أحمر اللون. فهذا التشبيه يقتضي: أن لون أهل الجنة البياض المشرب بحمرة، فبينا في المقرر المعلوم من أنه البياض المشرب بصفرة. وعن أم سلمة-رضي الله عنها-قالت: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أخبرني عن قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ} قال:

«صفاؤهن كصفاء الدرّ، الذي في الأصداف، الذي لا تمسّه الأيدي».

{هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ} أي: ما جزاء من أحسن العمل في الدنيا إلا أن يحسن الله إليه في الاخرة بدخول الجنة، والرضا عنه، كما قال تعالى في سورة (يونس) رقم [٢٦]: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ،} وقال في سورة (النجم) رقم [٣١]: {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ هذه الاية فقال: «يقول الله: هل جزاء من أنعمت عليه بمعرفتي وتوحيدي إلا أن أسكنه جنتي، وحظيرة قدسي برحمتي».

وقال محمد بن الحنفية، والحسن البصري-رضي الله عنهما-: هي مسجلة للبر، والفاجر؛ أي: مرسلة، يعني أن كل من أحسن أحسن الله إليه، وكل من أساء أسيء إليه، وخذ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو من شواهد النحو على حذف كان مع اسمها، أو على حذفها مع خبرها فمن الأول:

«الناس مجزيّون بأعمالهم، إن خيرا؛ فخير وإن شرا فشرّ». أي: إن كان عملهم خيرا؛ فجزاؤهم خير، وإن كان عملهم شرا؛ فجزاؤهم شرّ. ومن الثاني وهي رواية أخرى: «إن خير فخيرا، وإن شرّ فشرا». أي: إن كان في عملهم خير فسيجزون خيرا. وإن كان في عملهم شر فسيجزون شرا. ولا تنس جواب الرسول صلّى الله عليه وسلّم لجبريل عليه السّلام لما سأله عن الإحسان، فقال له:

«الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

بعد هذا ف‍: «هل» تأتي على أوجه: تكون بمعنى قد، كما في قوله تعالى في سورة (الإنسان) رقم [١]: {هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ..}. إلخ، وتكون بمعنى الاستفهام، كقوله تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا..}. إلخ رقم [٤٤] من سورة (الأعراف)، وتكون بمعنى الأمر، كقوله تعالى:

{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} رقم [٩١] من سورة (المائدة)، وتكون بمعنى التمني، كما في قوله تعالى:

{فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا} رقم [٥٣] من سورة (الأعراف)، وتكون بمعنى النفي كما في قوله تعالى: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} رقم [٣٥] من سورة (النحل)، والنفي في الاية التي نحن بصدد شرحها لا يخفى، وانظر مبحث {هَلْ} وشواهدها في كتابنا: «فتح القريب المجيب».

الإعراب: {كَأَنَّهُنَّ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها، والنون حرف دال على جماعة الإناث. {الْياقُوتُ:} خبر (كأنّ)، والجملة الاسمية في محل رفع صفة للموصوف ب‍: {قاصِراتُ}

<<  <  ج: ص:  >  >>