للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{خافِضَةٌ رافِعَةٌ} أي: تخفض المتكبرين، وترفع المستضعفين. وقال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: خفضت أعداء الله في النار، ورفعت أولياء الله في الجنة. وقال محمد بن كعب القرظي:

خفضت أقواما كانوا في الدنيا مرفوعين ورفعت أقواما كانوا في الدنيا مخفوضين. والخفض، والرفع يستعملان عند العرب في المكان، والمكانة، والعز، والمهانة، ونسب سبحانه الخفض، والرفع للقيامة، توسعا ومجازا على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل، والزمان، وغيرهما مما لم يكن منه الفعل، يقولون: ليل نائم، ونهار صائم. قال تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} رقم [٣٣] من سورة (سبأ) والخافض، والرافع على الحقيقة إنما هو الله تعالى وحده، فرفع أولياءه في أعلى الدرجات، وخفض أعداءه في أسفل الدركات، وبينهما مطابقة.

{إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} أي: إذا حركت، وزلزلت زلزالا، قال تعالى في سورة (الزلزلة): {إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها..}. إلخ، وذلك: أن الله عز وجل إذا أوحى إليها اضطربت فرقا، ووجلا. قال المفسرون: ترتج كما يرتج الصبي في المهد حتى ينهدم كل ما عليها، وينكسر كل شيء عليها من الجبال، وغيرها. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-: الرجة: الحركة الشديدة يسمع لها صوت.

{وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا} أي: فتتت حتى صارت كالدقيق المبسوس، والبسيسة: السويق، أو الدقيق يلتّ بالسمن، أو بالزيت، ثم يؤكل، ولا يطبخ، وقد يتخذ زادا. قال الراجز: [الرجز] لا تخبزا خبزا وبسّا بسّا... ولا تطيلا بمناخ حبسا

وقال الحسن: {وَبُسَّتِ} قلعت من أصلها، فذهبت. نظيره قوله تعالى في سورة (طه) رقم [١٠٥]: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً}.

{فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا} أي: غبارا متفرقا منتشرا كالذي يرى في شعاع الشمس من كوة في بيت مظلم، قال تعالى في حق أعمال الكفار الصالحة ونتيجتها يوم القيامة الاية رقم [٢٣] من سورة (الفرقان): {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً} انظر شرحها هناك تجد ما يسرك، ويثلج صدرك، وانظر ما ذكرته في سورة (النمل) رقم [٨٨] تجد ما يسرك ويثلج صدرك، وقد أعدته في سورة (النبأ).

الإعراب: {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب، متعلق بفعل محذوف، تقديره: اذكر وقت وقعت الواقعة. وقيل: هي ظرف مجرد عن الشرطية مثل سابقه متعلق ب‍: {لَيْسَ} من حيث ما فيها من معنى النفي. وقيل: هي شرطية، وجوابها محذوف، التقدير: إذا وقعت الواقعة؛ كان كيت، وكيت. وقيل: هي شرطية، والعامل فيها الفعل الذي بعدها، ويليها. وقيل: هي في محل رفع مبتدأ، وخبرها: {إِذا رُجَّتِ}. وقيل: هي ظرفية مجردة عن الشرطية متعلقة ب‍: {خافِضَةٌ رافِعَةٌ} وقيل: متعلقة ب‍: {رُجَّتِ}. وقيل: متعلقة بما دل عليها: {فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ}. وقيل: متعلقة

<<  <  ج: ص:  >  >>