للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شميط بن العجلان: الناس ثلاثة، فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه، ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا؛ فهذا هو السابق المقرب. ورجل ابتكر عمره بالذنوب، وطول الغفلة، ثم رجع بتوبته؛ فهذا صاحب اليمين، ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه، ثم لم يزل عليه حتى خرج من الدنيا؛ فهذا صاحب الشمال.

أقول: ومن الأول بلا ريب الأنبياء، والصديقون، وهذا يعني: أن الأزواج الثلاثة هم من أتباع الرسل، وأما الكافرون، والمشركون؛ فيساقون إلى جهنم سوقا، كما قال تعالى في سورة (مريم) رقم [٨٦]: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً،} ويؤيد هذا قوله تعالى في سورة (فاطر) رقم [٦٢]: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} انظر شرحها هناك؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

والحكمة من تأخير السابقين في الذكر-وهم أولى بالتقديم-على أصحاب اليمين: أن الله جلت قدرته، وتعالت حكمته ذكر في أول السورة من الأمور الهائلة ما ذكر من العقاب، تخويفا لعباده، فإما محسن؛ فيزداد رغبة في الثواب، وإما مسيء؛ فيرجع عن إساءته خوفا من العقاب، فلذلك قدم أصحاب اليمين؛ ليسمعوا، ويرغبوا، ثم ذكر أصحاب الشمال ليرهبوا، ثم ذكر السابقين، وهم الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر؛ ليجتهد أصحاب اليمين في القرب من درجتهم.

انتهى. خازن بتصرف كبير.

{أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} أي: من الله في جواره، وفي ظل عرشه، ودار كرامته، وهو قوله تعالى:

{فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ}. وقال ابن أبي حاتم: قالت الملائكة: يا رب جعلت لبني آدم الدنيا، فهم يأكلون، ويشربون، ويتزوجون، فاجعل لنا الاخرة، قال: لا أفعل، فراجعوا ثلاثا، فقال: لا أجعل من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن فكان، ثم قرأ عبد الله بن عمرو بن العاص:

{وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ}. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَكُنْتُمْ:} (الواو): حرف عطف. (كنتم): فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {أَزْواجاً:} خبر (كان). {ثَلاثَةً:} صفة {أَزْواجاً،} والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر مثلها. {فَأَصْحابُ:} (الفاء): حرف استئناف. (أصحاب): مبتدأ أول.

{ما:} اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ثان. {فَأَصْحابُ:} خبره، وهو مضاف، و {الْمَيْمَنَةِ} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل رفع خبر الأول، والرابط إعادة المبتدأ الأول بلفظه، وإنما ظهر الاسم الثاني؛ وحقه أن يكون مضمرا؛ لتقدم إظهاره ليكون أجل في التعظيم، والتعجب، وأبلغ، ومثله قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ}. انتهى. مكي.

والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، وإعراب: {وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ..}. إلخ مثلها بلا فارق.

{وَالسّابِقُونَ:} (الواو): حرف عطف. (السابقون): مبتدأ. {السّابِقُونَ:} خبره، وساغ وقوع الخبر

<<  <  ج: ص:  >  >>