قال:«وما لهم لا يؤمنون، والوحي ينزل عليهم؟!». قالوا: فنحن. قال:«وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟! ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيئون بعدكم، يجدون صحفا يؤمنون بها». قال الصابوني: أخرجه البخاري في كتاب الإيمان. ولم أجده في التجريد الصحيح.
وأقول: ولا سيما في أيام الصبر التي ذكرت في الحديث الذي خرجه ابن ماجه، والترمذي، وأبو داود عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«فإنّ من ورائكم أيّام الصّبر، الصّبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله». قيل: يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا، أو منهم؟ قال:«بل أجر خمسين منكم».
{وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ:} قال مجاهد-رحمه الله تعالى-: هو الميثاق الأول الذي كان، وهم في ظهر آدم بأن الله ربكم لا إله لكم سواه. أقول: هو ما ذكر في سورة (الأعراف) الاية رقم [١٧١] قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ}. وقيل:{أَخَذَ مِيثاقَكُمْ:} حيث ركب فيكم العقول، ونصب لكم الأدلة، والبراهين، والحجج؛ التي تدعو إلى متابعة الرسول. هذا؛ وميثاق أصله: موثاق، قلبت الواو ياء لمناسبة الكسرة قبلها.
{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أي: بالحجج، والدلائل، والبراهين. وقيل: المعنى: إن كنتم مؤمنين بحق يوما من الأيام؛ فالان أحرى الأوقات أن تؤمنوا؛ لقيام الحجج، والأعلام ببعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم فقد صحت براهينه. وقيل: إن كنتم مؤمنين بالله خالقكم. وكانوا يعترفون بهذا؛ ولكنهم يجعلون له شريكا: الحجارة، والأوثان. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{وَما:}(الواو): حرف استئناف. (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {لا:} نافية. {تُؤْمِنُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله. {بِاللهِ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية في محل نصب حال من كاف الخطاب، والرابط: الضمير فقط، والعامل في الحال (ما) لما فيها من معنى الفعل، وهو:
{يَدْعُوكُمْ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو للثقل، والفاعل يعود إلى (الرسول)، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب حال من واو الجماعة، فهي حال متداخلة، والرابط: الواو، والضمير.
{لِتُؤْمِنُوا:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والواو فاعله، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، التقدير: يدعوكم للإيمان. {بِرَبِّكُمْ:} جار ومجرور متعلقان