أي: اطلبوا لأنفسكم هناك نورا؛ أي: لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا، فيرجعون في طلب النور، فلا يجدون شيئا، فينصرفون إليهم ليلقوهم، فيميز بينهم، وبين المؤمنين، فذلك قوله تعالى:{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ} أي: بين المؤمنين، والمنافقين. {بِسُورٍ:} وهو حائط عظيم بين الجنة، والنار. {لَهُ} أي: لذلك السور. {بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} أي: في باطن ذلك السور الرحمة، وهي الجنة. {وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ} أي: من جهة ذلك الظاهر العذاب، وهو النار، وبينهما مقابلة واضحة، وهي من المحسنات البديعية.
قيل: تغشى الناس ظلمة شديدة يوم القيامة، فيعطي الله المؤمنين نورا على قدر أعمالهم، كما رأيت فيما سبق، يمشون به على الصراط، ويعطي المنافقين أيضا نورا خديعة لهم، واستهزاء بهم، فبينما هم يمشون؛ إذ بعث الله ريحا، وظلمة. فأطفأت نور المنافقين، فذلك قوله تعالى في سورة (التحريم) رقم [٨]: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا} مخافة أن يسلبوا نورهم، كما سلب نور المنافقين.
وقيل: بل يستضيئون بنور المؤمنين، ولا يعطون النور، فإذا سبقهم المؤمنون؛ بقوا في الظلمة، وقالوا للمؤمنين:{اُنْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}.
هذا؛ و (السور) حاجز بين الجنة والنار، فالجنة من جهة الباطن؛ أي: الداخل، والنار وما فيها من جهة الظاهر، وذكرت لك في سورة (فصلت) رقم [٤٠]: أن من الإلحاد في القرآن ما يدعيه الباطنيون الملحدون، فإنهم يقولون: القرآن فيه ظاهر وباطن، وإن الظاهر غير مراد أصلا، وإنما المراد الباطن، ويستدلون بهذه الاية! وقصدهم من وراء ذلك نفي الشريعة، وإبطال الأحكام، وهذا بلا شك إلحاد في الدين.
الإعراب:{يَوْمَ:} بدل من: {يَوْمَ تَرَى} وقيل: منصوب ب: «اذكر» محذوفا. {يَقُولُ:} فعل مضارع. {الْمُنافِقُونَ:} فاعل مرفوع. {وَالْمُنافِقاتُ:} الواو: حرف عطف. (المنافقات): معطوف على ما قبله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {يَوْمَ} إليها. {لِلَّذِينَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل {يَقُولُ،} وجملة: {آمَنُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {اُنْظُرُونا:}
فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، (ونا): مفعول به. {نَقْتَبِسْ:} فعل مضارع مجزوم لوقوعه جوابا للطلب، والفاعل مستتر فيه وجوبا تقديره:«نحن». {مِنْ نُورِكُمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة، والكلام:{اُنْظُرُونا} في محل نصب مقول القول.
{قِيلَ:} فعل ماض مبني للمجهول. {اِرْجِعُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {وَراءَكُمْ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية في محل رفع نائب فاعله. وهذا على رأي من يجيز وقوع الجملة فاعلا، أو نائب فاعل، ويكون جاريا على القاعدة:«يحذف الفاعل ويقام المفعول به مقامه».