للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أن أمم الرسل يشهدون يوم القيامة، وفيما يشهدون به قولان: أحدهما: أنهم يشهدون على أنفسهم بما عملوا من طاعة، ومعصية. الثاني: أنهم يشهدون لأنبيائهم بتبليغهم الرسالة إلى أممهم. وعلى جميع ما تقدم؛ فالشهداء جمع: شاهد. وعلى القول الثاني: فالمراد بهم: الشهداء الذين يقتلون في سبيل الله، وهو على هذا فالشهداء: جمع: شهيد، والشهيد على ثلاثة أنواع:

الأول: شهيد الدنيا، وهذا من قاتل رياء، أو حبا في الغنيمة، أو حبا في السمعة، والشهرة، والمحمدة، فهذا تجري عليه أحكام الشهادة في الدنيا، ولا ثواب له في الاخرة.

والثاني: شهيد الاخرة فقط، فقد روى الطبراني عن ابن عباس-رضي الله عنهما-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم: «ما تعدّون الشهيد فيكم؟!». قلنا يا رسول الله! من قتل في سبيل الله. قال: «إنّ شهداء أمّتي إذا لقليل، من قتل في سبيل الله فهو شهيد، والمتردي شهيد، والنفساء شهيد، والغريق شهيد، والسّلّ شهيد، والحريق شهيد، والغريب شهيد». قال الحافظ المنذري-رحمه الله تعالى-: ورواه الطبراني من طريق عبد الملك بن مروان بن عنترة-وهو متروك-عن أبيه عن جده. والثالث: شهيد الدنيا، والاخرة، وهو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.

هذا؛ ومعنى: (الشهداء عند ربهم) أي: في جنات النعيم، كما قال تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١٦٩]: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} فعن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنّة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلّقة في ظلّ العرش». أخرجاه في الصحيحين. هذا؛ و {الصِّدِّيقُونَ} جمع: صدّيق، وهو كثير الصدق. واختلف فيهم فالمعتمد:

أنهم أفاضل الصحابة كأبي بكر وبقية العشرة المبشرين بالجنة، وغيرهم من السابقين إلى الإسلام. وقال مقاتل بن حيان: الصديقون هم الذين آمنوا بالرسل، ولم يكذبوهم طرفة عين، مثل مؤمن آل فرعون، وصاحب آل ياسين، وأبي بكر، وأصحاب الأخدود.

{لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} أي: لهم عند الله أجر جزيل، ونور عظيم، يسعى بين أيديهم، وهم في ذلك يتفاوتون بحسب ما كانوا في دار الدنيا من الأعمال، انظر ما ذكرته في الاية رقم [١٢].

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا} بالله، {وَكَذَّبُوا بِآياتِنا} أي: بالرسل، والمعجزات. {أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ} أي: لا ثواب لهم إلا النار، وبئس القرار! وقال البيضاوي: وفيه دليل على أن الخلود في النار مخصوص بالكفار؛ من حيث إن التركيب يشعر بالاختصاص، والصحبة تدل على الملازمة عرفا، انتهى. وينبغي أن تعلم أنه تعالى لما ذكر السعداء، ومالهم؛ ذكر الأشقياء، وبين حالهم. وهذا من باب المقابلة. انظر ما ذكرته في الاية رقم [١٥] من سورة (الذاريات).

الإعراب: {وَالَّذِينَ:} (الواو): حرف استئناف. (الذين): اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {آمَنُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق،

<<  <  ج: ص:  >  >>