للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ والمضارع يصيب، وانظر إعلال (يوقنون) في الاية رقم [٣٦] من سورة (الطور)، فهو مثله. وهذه الاية الكريمة من أدل دليل على القدرية نفاة العلم السابق لله تعالى قبحهم الله تعالى! روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-، يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:

«قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة». وزاد ابن وهب:

«وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ}. أخرجه مسلم، وأحمد، ورواه الترمذي بالزيادة، وقال: حسن صحيح. {إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} أي: إن علمه تعالى بالأشياء قبل وجودها سهل عليه عز وجل؛ لأنه يعلم ما كان وما يكون. هذا؛ وقال قتادة-رحمه الله تعالى-: وبلغنا: أنه ليس أحد يصيبه خدش عود، ولا نكبة قدم، ولا خلخال عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، أقول:

هو فحوى قوله تعالى في سورة (الشورى) رقم [٣٠]: {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} انظر شرحها هناك؛ تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

وأقول أيضا: عفو الله عن كثير من الذنوب يتجلى بقوله تعالى في سورة (النحل) رقم [٦١]:

{وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى}. وبقوله جل ذكره في سورة (فاطر) رقم [٤٥]: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى}.

هذا؛ وبين الرسول صلّى الله عليه وسلّم في أحاديثه الشريفة أن المصائب على اختلاف أنواعها، وتفاوت مراتبها تكفر السيئات، وتمحو الخطايا. وخذ نبذة من ذلك فيما يلي:

عن أبي سعيد، وأبي هريرة-رضي الله عنهما-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما يصيب المؤمن من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غمّ؛ حتّى الشوكة يشاكها إلاّ كفّر الله بها من خطاياه». رواه البخاري، ومسلم. وعن عائشة-رضي الله عنها-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

«إذا اشتكى العبد المؤمن؛ أخلصه الله من الذنوب، كما يخلّص الكير خبث الحديد». رواه الطبراني، وغيره. وعن أبي الدرداء-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الصداع، والمليلة لا تزال بالمؤمن، وإنّ ذنبه مثل أحد، فما تدعه؛ وعليه من ذلك مثقال حبّة من خردل». رواه أحمد، وغيره.

هذا؛ وليست كل المصائب انتقاما، ولا تكفيرا للسيئات، ولا دليلا على أن الله يبغض العبد المبتلى، والمصاب، بل على العكس قد تكون المصائب دليلا على أن الله يحب العبد، ويبتليه ليرفع درجاته في أعلى عليين، وكلما كان أقوى إيمانا؛ اشتد بلاؤه، فعن مصعب بن سعد عن أبيه-رضي الله عنه-. قال: قلت: يا رسول الله! أيّ الناس أشدّ بلاء؟ قال: «الأنبياء، ثمّ الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإذا كان دينه صلبا؛ اشتدّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقّة؛ ابتلاه الله على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد؛ حتّى يمشي على الأرض؛ وما عليه خطيئة». رواه ابن ماجه، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وعن محمود بن لبيد-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

<<  <  ج: ص:  >  >>