للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أصابكم لم يكن ليخطئكم، وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم، فلا تحزنوا على ما فاتكم من الرزق، أو من أمور الدنيا. وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-: أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يجد أحدكم طعم الإيمان؛ حتّى يعلم: أنّ ما أصابه؛ لم يكن ليخطئه، وما أخطأه؛ لم يكن ليصيبه».

ثم قرأ: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ}.

{وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ} أي: أعطاكم. قال عكرمة-رحمه الله تعالى-: ليس أحد إلا وهو يفرح، ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكرا، والحزن صبرا. قال صاحب الكشاف: إن قلت: ما من أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به، ولا عند منفعة ينالها ألاّ يحزن ولا يفرح، قلت: المراد: الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر، والتسليم لأمر الله، ورجاء ثواب الصابرين. والفرح المطغي الملهي عن الشكر، فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام، والسرور بنعمة الله، والاعتداد بها مع الشكر؛ فلا بأس بهما، والله أعلم.

وقال جعفر الصادق بن محمد الباقر-رضي الله عنهما-: يا بن آدم! ما لك تأسف على مفقود لا يرده إليك الفوت؟! وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت؟! هذا؛ وأصل «تأسوا»: تأسيون، تحركت الياء، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فصارت: تأساون، فالتقى ساكنان: الألف، والواو التي هي الفاعل، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصار وزنه:

(تفعون)؛ لأن لامه التي هي الياء المنقلبة ألفا قد حذفت، والمصدر: أسى، فهو مقصور، فيقال: أسي أسى، مثل: جوي جوى.

هذا؛ والفرح لذة في القلب بإدراك المحبوب؛ ولذا أكثر ما يستعمل في اللذات البدنية الدنيوية، وقد ذم الله الفرح في مواضع من كتابه، كقوله تعالى في سورة (القصص) الاية رقم [٧٦]: {لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ،} وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} رقم [١٠] من سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، ولكنه مطلق، فإذا قيد الفرح؛ لم يكن ذما، لقوله تعالى في حق الشهداء: {فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} رقم [١٧٠] من سورة (آل عمران)، وقال جل ذكره: {فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} رقم [٥٨] من سورة (يونس)، وقال عز وجل في سورة (الروم): {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ} رقم [٣] من سورة (الروم).

{وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ} أي: متكبر. {فَخُورٍ:} يفخر على الناس، ويعدد عليهم مناقبه تطاولا، وتكبرا، ومعنى عدم محبة الله للمتكبر: سخطه، وغضبه عليه، وإبعاده من رحمته، وعفوه، ورضوانه. وهذا يشمل الذكر، والأنثى؛ وإن كان المخاطب به الذكر وحده.

تنبيه: في الاية الكريمة مسألة بيانية لم يتعرض لها المفسرون ألبتة، وهي ما إذا وقعت «كل» في حيز النفي؛ كان النفي موجها إلى الشمول خاصة، وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد، كقولك: ما جاء كلّ القوم، ولم آخذ كلّ الدراهم، وكلّ الدراهم لم آخذ. وإن وقع

<<  <  ج: ص:  >  >>