للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا إن كلّ جواد في الجنة حتم على الله، وأنا كفيل به. ألا وإنّ كل بخيل في النار حتم على الله، وأنا به كفيل». قالوا: يا رسول الله! من الجواد، ومن البخيل؟ قال: «الجواد من جاد بحقوق الله عز وجل في ماله، والبخيل من منع حقوق الله، وبخل على ربّه، وليس الجواد من أخذ حراما، وأنفق إسرافا». رواه الأصبهاني.

هذا؛ وقال الشاعر الحكيم يذم البخل بجميع أنواعه: [البسيط] البخل شين ولا يرضى به أحد... إلاّ الأسافل أهل الذمّ والعار

المنافقون لهم إخلاف ما بذلوا... والممسكون لهم إتلاف مع نار

هذا؛ ومن أنواع البخل البخل بإلقاء السّلام على من عرفت من المسلمين، ومن لم تعرف، وقد حث النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أفشوا السّلام بينكم». ما لم يكن مانع من إفشائه كفسق، وفجور وإهمال واجب لله تعالى، فيكون عدم السّلام زجرا، وردعا للفاسق عن فسوقه، وللعاصي عن عصيانه.

وأبخل الناس من يبخل بالصلاة والسّلام على سيد الخلق، وحبيب الحق صلّى الله عليه وسلّم عند سماع ذكره، فعن أبي ذر الغفاري-رضي الله عنه-قال: خرجت ذات يوم، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ألا أخبركم بأبخل الناس؟!». قالوا: بلى يا رسول الله! قال: «من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ، فذلك أبخل الناس». رواه ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة من طريق علي بن يزيد عن القاسم.

هذا؛ وأشنع أنواع البخل من يكون بخيلا بنوع من الأنواع المذكورة، ثم يأمر غيره، ويحثه على البخل. قال أبو تمام الشاعر المعروف: [الطويل] وإنّ امرأ ضنّت يداه على امرئ... بنيل يد من غيره لبخيل

والاية هنا وآية (النساء) تنعيان هذا النوع من البخل على صاحبه، وفي أمثال العرب: أبخل من الضنين بنائل غيره. وقيل: أبخل الناس من بخل بما في يد غيره. قال الزمخشري: ولقد رأينا ممن بلي بداء البخل من إذا طرق سمعه أن أحدا جاد على أحد شخص به وعلا صوته، واضطرب، ودارت عيناه في رأسه كأنما نهب رحله، وكسرت خزانته ضجرا من ذلك.

الإعراب: {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب بدلا من {كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ،} بدل كل من كل. وأجيز اعتباره صفة ل‍: {كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ،} كذا في المغني؛ لكنه ضعفه. أو في محل نصب مفعول به لفعل محذوف. تقديره: أعني الذين. أو هي في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف؛ التقدير: هم الذين، أو في محل مبتدأ خبره محذوف، التقدير: لهم وعيد شديد وعذاب أليم. {يَبْخَلُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها، والتي بعدها معطوفة عليها. {بِالْبُخْلِ:}

متعلقان بما قبلهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>