{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ:} قيل: إن الله تعالى أنزل مع آدم-عليه الصلاة والسّلام-لما أهبط إلى الأرض السندان، والمطرقة، والكلبتين. روى عمر-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: الحديد، والنار، والماء، والملح». وروى عكرمة عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم عليه السّلام: الحجر الأسود؛ وكان أشد بياضا من الثلج، وعصا موسى؛ وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع مع طول موسى، والحديد، أنزل معه ثلاثة أشياء: السندان، والكلبتان، والميقعة، وهي المطرقة. هذا؛ وقيل:(أنزلنا) هنا بمعنى: أنشأنا، وأحدثنا الحديد، وذلك: أن الله أخرج لهم الحديد من المعادن، وعلمهم صنعته بوحيه وإلهامه، فيكون كقوله في سورة (الزمر): {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} رقم [٦].
{فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} أي: لإهراق الدماء. والمعنى فيه قوة شديدة، فمنه: جنة، وهي آلة الوقع والدفع، والدفاع عن النفس، ومنه: السيف ونحوه، وهي آلة الهجوم والضرب. {وَمَنافِعُ لِلنّاسِ} أي: ومنه ما ينتفعون به في مصالحهم، كالسكين، والفأس، والإبرة، ونحو ذلك؛ إذ الحديد آلة لكل صنعة، فلا غنى لأحد عنه.
{وَلِيَعْلَمَ اللهُ} أي: وأرسلنا رسلنا، وأنزلنا معهم هذه الأشياء، أو أنشأناها ليتعامل الناس بالحق، والعدل، وليعلم الله، علم ظهور؛ لأن الله قد علم كل شيء قبل وجوده. ومثله كثير. قال تعالى في سورة (آل عمران): {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا}. {مَنْ يَنْصُرُهُ:} من ينصر دينه. {وَرُسُلَهُ} أي: وينصر رسله. {بِالْغَيْبِ} أي: ينصرون دين الله وينصرون رسله، وهم لم يروا الله، ولم يروا رسله، ولم يروا الاخرة؛ التي يعملون لها، وإنما يحمد، ويثاب من أطاع، وامتثل بالغيب. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ينصرونه، ولا يبصرونه. {إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ:} يدفع بقوته بأس من يعرض عن ملته. {عَزِيزٌ:} غالب لا يغالب، يربط بعزته جأش من يتعرض لنصرته.
والمناسبة بين هذه الأشياء الثلاثة: أن الكتاب قانون الشريعة، ودستور الأحكام الدينية، يبين سبل المراشد، والعهود، ويتضمن جوامع الأحكام، والحدود، ويأمر بالعدل، والإحسان، وينهى عن البغي، والطغيان، واستعمال العدل، والاجتناب عن الظلم، إنما يقع بآلة يقع بها التعامل، ويحصل بها التساوي، والتعادل، وهي الميزان، ومن المعلوم: أن الكتاب الجامع للأوامر الإلهية، والالة الموضوعة للتعامل بالسّويّة، إنما تحض العامة على اتباعهما بالسيف، الذي هو حجة الله على من جحد، وعند، ونزع عن صفقة الجماعة اليد، وهو الحديد، الذي يوصف بالبأس الشديد. انتهى. نسفي.
هذا؛ و (الناس) اسم جمع لا واحد له من لفظه: مثل: معشر، ونفر... إلخ، واحده:
إنسان من غير لفظه، وهو يطلق على الإنس، والجن، لكن غلب استعماله في الإنس. قال تعالى