للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قال تعالى في سورة (القصص) رقم [٥٤]: {أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا}. فعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم، فله أجران، وعبد مملوك أدّى حقّ الله وحقّ مواليه فله أجران ورجل أدّب أمته، فأحسن تأديبها، ثمّ أعتقها، وتزوّجها، فله أجران». أخرجه البخاري ومسلم.

هذا؛ وقال سعيد بن جبير-رضي الله عنه-: لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين (انظر القصص رقم [٥٤]) أنزل الله تعالى على محمد صلّى الله عليه وسلّم هذه الاية في حق هذه الأمة.

وفي أسباب النزول للسيوطي مثله، وقد أسنده إلى مقاتل، فجعل لهم أجرين مثل أجور مؤمني أهل الكتاب، وزادهم بقوله: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} يعني: هدى يتبصر به من العمى، والجهالة، وسبيلا واضحا في الدين تهتدون به في الدنيا، وأيضا في الاخرة على الصراط كما رأيت في الاية رقم [١٢]. {وَيَغْفِرْ لَكُمْ:} هذا زيادة من فضله تعالى. ومثل هذه الاية قوله تعالى في سورة (الأنفال) رقم [٢٩]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. ومما يؤيد هذا القول ما يلي:

فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-. قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثلكم، ومثل اليهود، والنصارى، كمثل رجل استعمل عمّالا، فقال: من يعمل لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ ألا فعملت اليهود. ثم قال: من يعمل لي من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ ألا فعملت النصارى. ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشّمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذين عملتم، فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء! قال: هل ظلمتكم من أجركم شيئا؟ قالوا: لا. قال: فإنّما هو فضلي أوتيه من أشاء». أخرجه الإمام أحمد.

وعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل المسلمين، واليهود، والنصارى كمثل رجل استعمل قوما يعملون له عملا، يوما إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا إلى نصف النهار، فقالوا: لا حاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا، وما عملنا باطل، فقال لهم:

لا تفعلوا، أكملوا بقية عملكم، وخذوا أجركم كاملا! فأبوا، وتركوا. واستأجر آخرين بعدهم، فقال: أكملوا يومكم، ولكم الذي شرطت لهم من الأجر، فعملوا حتى إذا كان حين صلّوا العصر؛ قالوا: ما عملنا باطل، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه، فقال: أكملوا بقية عملكم، فإنما بقي من النهار شيء يسير، فأبوا. فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم، فعملوا بقية يومهم حتّى غابت الشمس، فاستكملوا أجرة الفريقين كليهما، فذلك مثلهم، ومثل ما قبلوا من هذا النور». رواه البخاري. انتهى. مختصر ابن كثير للصابوني.

هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: وفي البخاري: حدثنا الحكم بن نافع؛ قال:

حدثنا شعيب عن الزهري؛ قال: أخبرني سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر-رضي الله

<<  <  ج: ص:  >  >>