للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ،} وقوله في سورة (الزلزلة): {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها} وأما لفظة (ما) في قوله: {لِما} فهي بمعنى «الذي» والمعنى: يعودون إلى الذي قالوا، أو في الذي قالوا، وفيه وجهان: أحدهما: أنه لفظ الظهار، والمعنى: أنهم يعودون إلى ذلك اللفظ. الوجه الثاني: أن المراد {لِما قالُوا؛} أي: المقول فيه، وهو الذي حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار، تنزيلا للقول منزلة المقول فيه.

وعلى هذا معنى قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا} أي: يعودون إلى شيء، وذلك الشيء هو الذي قالوا فيه ذلك القول، ثم إذا فسر هذا اللفظ بالوجه الأول؛ يجوز أن يكون المعنى: عاد لما فعل؛ أي: فعله مرة أخرى. وعلى الوجه الثاني يجوز أن يقال: عاد لما فعل؛ أي: نقض ما فعل، وذلك:

أن من فعل شيئا، ثم أراد أن يفعله ثانيا فقد عاد إليه، وكذا من فعل شيئا ثم أراد إبطاله، فقد عاد إليه بالتصرف فيه، فقد ظهر بما تقدم: أن قوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا} يحتمل أن يكون المراد، ثم يعودون إليه، بأن يفعلوا مثله مرة أخرى، ويحتمل أن يكون المراد، ثم يعودون إليه بالنقض، والرفع، والإزالة. وإلى هذا الاحتمال ذهب أكثر المجتهدين، ثم اختلفوا فيه على وجوه:

الأول: وهو قول الشافعي-رحمه الله تعالى-أن معنى العود لما قالوا هو السكوت عن الطلاق بعد الظهار زمانا يمكنه أن يطلقها فيه، وذلك؛ لأنه لما ظاهر، فقد قصد التحريم، فإن وصله بالطلاق؛ فقد تمم ما شرع فيه من إيقاع التحريم، ولا كفارة عليه، فإذا سكت عن الطلاق؛ فذلك يدل على أنه ندم على ما ابتدأ به من التحريم، فحينئذ تجب عليه الكفارة. وفسر ابن عباس-رضي الله عنهما-العود بالندم، فقال: يندمون فيرجعون إلى الألفة.

الوجه الثاني: في تفسير العود، وهو قول أبي حنيفة-رحمه الله تعالى-: أنه عبارة عن استباحة الوطء، والملامسة، والنظر إليها بشهوة، وذلك: أنه شبهها بالأم في حرمة هذه الأشياء، ثم قصد استباحة ذلك كان مناقضا لقوله: (أنت عليّ كظهر أمّي).

الوجه الثالث: وهو قول مالك-رحمه الله تعالى-أن العود إليها عبارة عن العزم على وطئها. وهو قريب من قول أبي حنيفة.

الوجه الرابع: وهو قول الحسن، وقتادة، وطاووس، والزهري: أن العود إليها عبارة عن جماعها، وقالوا: لا كفارة عليه ما لم يطأها.

قال العلماء: والعود المذكور هنا هب: أنه صالح للجماع، أو للعزم عليه، أو لاستباحته، إلا أن الذي قاله الشافعي هو أقل ما ينطلق عليه الاسم، فيجب تعليق الحكم عليه؛ لأنه هو الذي به يتحقق مسمى العود، وأما الباقي؛ فزيادة لا دليل عليه. انتهى. خازن.

{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا:} المراد بالتماس: المجامعة، فلا يحل للمظاهر وطء امرأته التي ظاهر منها؛ حتى يكفر عند الشافعي، وعند أبي حنيفة: يحرم الاستمتاع بها من

<<  <  ج: ص:  >  >>