للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{بِالْإِثْمِ،} وهو ما يقبح من القول، {وَالْعُدْوانِ} وهو ما يؤدي إلى الظلم، ومعصية الرسول، وهو ما يكون خلافا عليه. والقول الثاني، (وهو الأصح): أنه خطاب للمنافقين. والمعنى: يا أيها الذين أمنوا بألسنتهم. وقيل: آمنوا بزعمهم، كأنه قال لهم: لا تتناجوا بالإثم، والعدوان، ومعصية الرسول. انتهى. هذا؛ ورجح القرطبي الأول. {وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى} أي: تحدثوا بما فيه خير، وبر، وإحسان. قال القرطبي: نهى الله المؤمنين أن يتناجوا فيما بينهم كفعل اليهود، والمنافقين، وأمرهم أن يتناجوا بالطاعة، والتقوى، والعفاف عما نهى الله عنه. {وَاتَّقُوا اللهَ..}.

إلخ: أي: وخافوا الله بامتثالكم أوامره، واجتنابكم نواهيه، الذي سيجمعكم للحساب، ويجازي كلاّ بعمله.

عن صفوان بن محرز-رضي الله عنه-قال: كنت آخذا بيد ابن عمر-رضي الله عنهما-؛ إذ عرض له رجل، فقال: كيف سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في النجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه، ويستره من الناس، ويقرّره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرّره بذنوبه، ورأى في نفسه أن قد هلك. قال: فإني قد سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ثمّ يعطى كتاب حسناته. وأمّا الكفار، والمنافقون، فيقول الأشهاد: هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظّالمين». أخرجه البخاري، ومسلم، والإمام أحمد، ولا تنس: أن البر كلمة جامعة لخصال الخير الدنيوية، والأخروية.

تنبيه: قال ابن هشام في المغني: قد يعبرون بالفعل عن إرادته، وأكثر ما يكون ذلك بعد أداة الشرط، نحو قوله تعالى في سورة (النحل) رقم [٩٨]: {فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ}. وقوله تعالى في سورة (المائدة) الاية [٦]: {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}.

وقوله تعالى في سورة (آل عمران) الاية رقم [٤٧]: {إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ،} وكذا قوله تعالى في سورة (المائدة) الاية رقم [٤٢]: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}.

{وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ} رقم [١٢٦] من سورة (النحل). وقوله تعالى: {إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ}. {إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا..}. إلخ رقم [١٢] من هذه السورة، وقوله تعالى: {إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} رقم [١] من سورة الطلاق، وفي الحديث الصحيح قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أتى أحدكم الجمعة؛ فليغتسل».

فهو يريد-رحمه الله تعالى-: أن المعنى: إذا أردت القراءة، إذا أردتم القيام إلى الصلاة؛ إذا أراد قضاء أمر، إن أردت الحكم، إن أردتم العقاب، فعاقبوا؛ إذا أردتم المناجاة؛ فلا؛ إذا أردتم مناجاة الرسول؛ إذا أردتم الطلاق؛ إذا أراد أحدكم إتيان الجمعة، فليغتسل.

الإعراب: {يا أَيُّهَا:} (يا): أداة نداء تنوب مناب أدعو. (أيها): نكرة مقصودة مبنية على الضم في محل نصب بأداة النداء، (وها): حرف تنبيه لا محل له، أقحم للتوكيد، وهو عوض

<<  <  ج: ص:  >  >>