للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك إعظام مناجاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإن الإنسان إذا وجد الشيء بمشقة؛ استعظمه، وإن وجده بسهولة؛ استحقره، وفي ذلك أيضا نفع كثير للفقراء بتلك الصدقة المقدمة قبل المناجاة.

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إن الناس سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأكثروا حتى شق عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه صلّى الله عليه وسلّم، فأمرهم أن يقدموا صدقة على مناجاته صلّى الله عليه وسلّم. وقيل: نزلت في الأغنياء، وذلك: أنهم كانوا يأتون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيكثرون مناجاته، ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طول جلوسهم، ومناجاتهم، فلما أمروا بالصدقة؛ كفوا عن مناجاته، فأما الفقراء وأهل العسرة، فلم يجدوا شيئا، وأما الأغنياء، وأهل الميسرة، فضنوا، واشتد ذلك على أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلّم فنزلت الرخصة.

وقال مجاهد-رحمه الله تعالى-: نهوا عن المناجاة؛ حتى يتصدقوا، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-، تصدق بدينار (أي: على دفعات) وناجاه، ثم نزلت الرخصة، فكان علي كرم الله وجهه يقول: آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، وهي آية المناجاة. وعن علي-رضي الله عنه-قال: لما نزلت: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ..}.

إلخ قال لي النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما ترى؟ دينارا؟». قلت: لا يطيقونه. قال: «فنصف دينار؟». قلت: لا يطيقونه. قال: «فكم؟». قلت: شعيرة. قال: «إنك لزهيد». قال: فنزلت: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ} قال: فبي خفف الله عن هذه الأمة. أخرجه الترمذي. هذا؛ ومعنى: شعيرة؛ أي: وزن شعيرة من ذهب، ومعنى: لزهيد، يعني: قليل المال، قدرت على قدر حالك. هذا؛ وفي هذه الاية منقبة عظيمة لعلي-رضي الله عنه-؛ إذ لم يعمل بها أحد غيره، ولكن ليس فيها طعن على غيره من الصحابة، ووجه ذلك: أن الوقت لم يتسع ليعملوا بهذه الاية، ولو اتسع الوقت لم يتخلفوا عن العمل بها. انتهى. خازن بتصرف بسيط.

وروي عن علي-رضي الله عنه-أنه قال: كان لي دينار، فصرفته، فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم، وسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشر مسائل، فأجابني عنها، قلت: يا رسول الله ما الوفاء؟ قال:

«التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله». قلت: وما الفساد؟ قال: «الكفر، والشرك بالله». قلت:

وما الحق؟ قال: «الإسلام، والقرآن، والولاية إذا انتهت إليك». قلت: وما الحيلة؟ قال: «ترك الحيلة». قلت: وما عليّ؟ قال: «طاعة الله، وطاعة رسوله». قلت: وكيف أدعو الله؟ قال:

«بالصدق، واليقين». قلت: وماذا أسأل الله؟ قال: «العافية». قلت: وما أصنع لنجاة نفسي؟ قال: «كل حلالا، وقل صدقا». قلت: وما السرور؟ قال: «الجنة». قلت: وما الراحة؟ قال:

«لقاء الله». فلما فرغت منها نزل نسخها. انتهى. نسفي ولم يذكره غيره.

قال ابن عمر-رضي الله عنهما-: لقد كانت لعلي-رضي الله عنه-ثلاث، لو كانت لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ من حمر النعم: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوى. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>