للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: لا تقطعوا، إنه مما أفاء الله علينا، وقال بعضهم: بل نغيظهم بقطعه، فأنزل الله هذه الاية بتصديق من نهى عن قطعه، وتحليل من قطعه من الإثم، وأن ذلك كان بإذن الله؛ أي: بأمره، فعن ابن عمر-رضي الله عنهما-. قال: حرّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نخل بني النضير، وقطع، وهي البويرة، فنزل قوله تعالى: {ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ}. البويرة: اسم موضع لبني النضير، وفي ذلك يقول حسان بن ثابت-رضي الله عنه-: [الوافر] وهان على سراة بني لؤيّ... حريق بالبويرة مستطير

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: النخل كلها لينة ما خلا العجوة، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقطع نخلهم إلا العجوة، وأهل المدينة يسمون ما خلا العجوة من التمر: الألوان. وقيل: النخل كلها لينة إلا العجوة والبرنيّة. وقيل: اللينة: النخل كلها من غير استثناء، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: في رواية أخرى عنه: هي لون من النخل. وقيل: كرام النخل. وقيل: هي ضرب من النخل يقال لتمرها: اللون، وهو شديد الصفرة، ويرى نواه من خارجه، يغيب فيه الضرس، وكان من أجود تمرهم، وأعجبه إليهم، وكانت النخلة الواحدة ثمنها ثمن وصيف، وأحب إليهم من وصيف، فلما رأوا المسلمين يقطعونها شق عليهم ذلك، وقالوا للمؤمنين: إنكم تكرهون الفساد، وأنتم تفسدون، دعوا هذا النخل قائما، فهو لمن غلب عليه، فأخبر الله: أن قطعها كان بإذنه. انتهى. خازن بحروفه. هذا؛ وياء: {لِينَةٍ} منقلبة عن واو لكسر ما قبلها، كالديمة.

روي: أن رجلين كانا يقطعان، أحدهما يقطع العجوة، والاخر اللون، فسألهما الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فقال أحدهما: تركتها لرسول الله، وقال الاخر: قطعتها غيظا للكفار، فلم ينكر عليهما النبي صلّى الله عليه وسلّم عملهما. وقد استدل به على جواز الاجتهاد، وعلى جوازه بحضرة النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنهما بالاجتهاد فعلا. واحتج به من يقول: كل مجتهد مصيب. انتهى. كشاف، وقرطبي بتصرف.

{وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ} أي: ليذل بني النضير، ويهينهم لخروجهم عن طاعة الله، ومخالفتهم، ومحاربتهم لرسوله. هذا؛ والفعل (يخزي) من الإخزاء، وهو الإذلال. قال ذو الإصبع العدواني (شاعر جاهلي): [البسيط] لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب... عني، ولا أنت ديّاني فتخزوني

هذا هو الشاهد رقم [٢٦٠] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، ومنه قول حسان بن ثابت -رضي الله عنه-: يخاطب به من هشم وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم في غزوة أحد: [الطويل] فأخزاك ربّي يا عتيب بن مالك... ولقاك قبل الموت إحدى الصّواعق

مددت يمينا للنّبيّ تعمّدا... ودمّيت فاه قطّعت بالبوارق

وهو على هذا من: الرباعي من أخزى، يخزي، وهو من الثلاثي: خزي، يخزى خزابة بمعنى: استحيا، وخجل. قال نهشل بن حريّ الدارميّ من قصيدة يرثي بها أخاه مالكا، وكان قد

<<  <  ج: ص:  >  >>