للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ:} غشا، وحسدا، وحقدا، وبغضا، وهو بكسر الغين، وهو بضمها: القيد من الحديد، ونحوه، وحرارة العطش أيضا. ولا يجمع بالمعنى الأول؛ لأنه مصدر، ويجمع بالمعنى الثاني على أغلال، وهو كثير في القرآن، وبالمعنى الثالث على غلات، كقول قسّام بن رواحة العبسيّ، وهو شاعر جاهلي، وهو الشاهد رقم [٢٧٤] من كتابنا: «فتح القريب المجيب». [الطويل]

عسى طيّئ من طيّئ بعد هذه... ستطفئ غلاّت الكلى والجوانح

وخذ هذين البيتين، وصل وسلم على سيد الأنبياء والمرسلين: [البسيط]

يا طالب العيش في أمن وفي دعة... رغدا بلا قتر صفوا بلا رنق

خلّص فؤادك من غلّ ومن حسد... الغلّ في القلب مثل الغلّ في العنق

{لِلَّذِينَ آمَنُوا:} يعني صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. {رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ:} انظر الاية رقم [٩] من سورة (الحديد)، بعد هذا قال ابن أبي ليلى: الناس على ثلاثة منازل: المهاجرون، والذين تبوؤا الدار والإيمان، والذين جاؤوا من بعدهم، فاجهد ألاّ تخرج من هذه المنازل، فكل من كان في قلبه غل، أو بغض لأحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم يترحم على جميعهم، فليس ممن عناه الله بهذه الاية؛ لأن الله رتب المؤمنين على ثلاث منازل:

المهاجرون، ثم من بعدهم الأنصار، ثم من بعدهم التابعون الموصوفون بما ذكر، فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة، كان خارجا من أقسام المؤمنين، وليس له في الإسلام نصيب.

وقال بعضهم: كن شمسا، فإن لم تستطع؛ فكن قمرا، فإن لم تستطع؛ فكن كوكبا مضيئا، فإن لم تستطع؛ فكن كوكبا صغيرا، ومن جهة النور لا تنقطع. ومعنى هذا: كن مهاجريا، فإن قلت: لا أجد؛ فكن أنصاريا، فإن لم تجد؛ فاعمل كأعمالهم، فإن لم تستطع، فأحبهم، واستغفر لهم، كما أمرك الله.

وعن جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين-رضي الله عنهم-أنه جاءه رجل، فقال له: يا بن بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما تقول في عثمان؟ فقال له: يا أخي أنت من قوم قال الله فيهم: {لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ} الاية؟ قال: لا. قال: فأنت من قوم قال الله فيهم:

{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَالْإِيمانَ} الاية؟ قال: لا. قال: فو الله لئن لم تكن من أهل الاية الثالثة؛ لتخرجن من الإسلام، وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ..}. إلخ.

فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تسبّوا أصحابي، فلو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا؛ ما بلغ مدّ أحدهم، ولا نصيفه». متفق عليه. وعن عروة بن الزبير-رضي الله عنه-قال: قالت عائشة-رضي الله عنها-: (يا بن أختي أمروا أن يستغفروا

<<  <  ج: ص:  >  >>