والمؤمن العائذات الطّير يمسحها... ركبان مكة بين الغيل والسّند
وحظ العبد منه بالمعنى الأول: تحقيق اتصافه بحقائق الإيمان. وبالمعنى الثاني: أن يأمن غيره أذاه. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده». أخرجه البخاري، ومسلم عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه-. وقال صلّى الله عليه وسلّم:«ليس بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه». رواه أبو يعلى، وغيره عن أنس-رضي الله عنه-.
{الْمُهَيْمِنُ} أي: الرقيب المبالغ في المراقبة، والحفظ، من قولهم: هيمن الطير: إذا نشر جناحه على فرخه صيانة له. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: أي: الشهيد على عباده بأعمالهم؛ الذي لا يغيب عنه شيء. فيرجع إلى معنى العلم. قال تعالى في سورة (المائدة)[٤٨]: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}. انظر شرحها هناك. وقيل: هو القائم على خلقه يرزقه، وأنشد في معناه:[الطويل] ألا إنّ خير الناس بعد نبيّه... مهيمنه التّاليه في العرف والنكر
أي: القائم على الناس بعده. وقيل: هو بمعنى العلي، ومنه قول العباس-رضي الله عنه- يمدح النبي صلّى الله عليه وسلّم في أبيات منها:[المنسرح] حتّى احتوى بيتك المهيمن من... خندف علياء زانها النطق
وقيل: المهيمن اسم من أسماء الله تعالى، هو أعلم بتأويله، وأنشدوا في معناه:[الكامل] جلّ المهيمن عن صفات عبيده... ولقد تعالى عن عقول أولي النّهى
راموا بزعمهم صفات مليكهم... والوصف يعجز عن مليك لا يرى
{الْعَزِيزُ} أي: الذي لا يدركه طالبه، ولا يعجزه هاربه، فيرجع إلى القدرة. وقيل: هو العديم المثل، والنظير، فيرجع إلى التنزيه. والعزة في الأصل: القوة، والشدة، والغلبة. وحظ العبد منه أن يغلب نفسه، وسلطانه، بالاستقامة والاستعانة به تعالى. وقال صلّى الله عليه وسلّم:«من تواضع لغنيّ لغناه فقد ذهب ثلثا دينه». وإنما كان كذلك؛ لأن الإيمان متعلق بثلاثة أشياء: المعرفة بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان، فإذا تواضع بلسانه، وأعضائه؛ فقد ذهب الثلثان، فلو انضم إليه القلب ذهب الكل.
{الْجَبّارُ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: الجبار: هو العظيم، وجبروت الله:
عظمته. فعلى هذا هو صفة ذات، وهو صيغة مبالغة. وقيل: هو من الجبر، ومنه جبر العظم، وهو في الأصل إصلاح الشيء، وربنا سبحانه وتعالى يجبر قلوب عباده، يغني الفقير، ويجبر الكسير، ويكشف الهم، ويزيل الغم، فعلى هذا هو صفة فعل. وقيل: هو الذي يجبر الخلق، ويقهرهم على ما أراد، وسئل بعضهم عن معنى الجبار، فقال: هو القهار؛ الذي إذا أراد أمرا؛