للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشحناء، ومودة بعد النفار. قال في التسهيل: لما أمر الله المسلمين بعداوة الكفار، ومقاطعتهم على ما كان بينهم وبين الكفار من القرابة، والمودة، وعلم الله صدقهم؛ آنسهم بهذه الاية، ووعدهم بأن يجعل بينهم مودة؛ أي: محبة، وهذه المودة كملت في فتح مكة، فإنه أسلم حينئذ سائر قريش، وجمع الله الشمل بعد التفرق. وقال الرازي-رحمه الله تعالى-: و {عَسَى} وعد من الله تعالى، وقد حقق ما وعدهم به من اجتماع كفار مكة بالمسلمين، ومخالطتهم لهم حين فتح مكة، وقد قال تعالى ممتنّا: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً} هذا؛ ومما يؤثر من قول علي-كرم الله وجهه ورضي عنه-: أحبب حبيبك هونا مّا؛ عسى أن يكون بغيضك يوما مّا، وأبغض بغيضك هونا مّا؛ عسى أن يكون حبيبك يوما مّا.

ورحم الله من يقول: [الطويل] وأحبب إذا أحببت حبّا مقاربا... فإنك لا تدري متى أنت نازع؟

وأبغض إذا أبغضت بغضا مجانبا... فإنك لا تدري متى أنت راجع؟

هذا؛ ويذكر المفسرون من المودة زواج النبي صلّى الله عليه وسلّم برملة أم حبيبة بنت أبي سفيان، فقال أبو سفيان، وهو مشرك حينئذ بلغه تزويج النبي صلّى الله عليه وسلّم ابنته: ذلك الفحل لا يقدع أنفه. يقال: هذا الفحل لا يقدع أنفه؛ أي: لا يضرب أنفه، وذلك لشرفه، وأصالته، وكرامته.

{وَاللهُ قَدِيرٌ:} قادر، لا يعجزه شيء، يقدر على تأليف القلوب، وتغيير الأحوال، وقلب البغض محبة، والعداوة صداقة، وألفة. {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ:} يغفر للكافرين كفرهم؛ إذا تابوا منه، وأنابوا إلى ربهم، وأسلموا له، وهو الرحيم بكل من تاب إليه من أي ذنب كان. وعن ابن شهاب: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعمل أبا سفيان على بعض اليمن، فلما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقبل، فلقي ذا الخمار مرتدا، فقاتله، فكان أول من قاتل في الردة، وجاهد في الدين، وهو ممن أنزل الله فيه: {عَسَى اللهُ..}. إلخ الاية. أخرجه ابن أبي حاتم، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

وانظر شرح (بين) في الاية رقم [٢٥] من سورة (الرحمن).

الإعراب: {عَسَى:} فعل ماض جامد يدل على الرجاء مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {اللهُ:} اسم {عَسَى}. {أَنْ:} حرف ناصب. {يَجْعَلَ:} مضارع منصوب ب‍: {أَنْ} وهو بمعنى: يخلق، والفاعل يعود إلى {اللهُ،} و {أَنْ} والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل نصب خبر {عَسَى،} ويجب تأويله باسم الفاعل جاعلا؛ لأن المصدر لا يخبر به عن الجثة، وجملة: {عَسَى..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. {بَيْنَكُمْ:} ظرف مكان متعلق بما قبله، والكاف في محل جر بالإضافة. {وَبَيْنَ:} ظرف مكان معطوف على ما قبله، وهو مضاف، و {الَّذِينَ} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.

<<  <  ج: ص:  >  >>