وشبه من أراد إبطال هذا الدين بمن أراد إطفاء الشمس بفمه الحقير، على طريق الاستعارة التمثيلية. وهذا من لطيف الاستعارات.
{بِأَفْواهِهِمْ:} جمع: فوه على الأصل؛ لأن الأصل في فم: فوه، مثل: حوض، وأحواض، والمراد الكلام الذي يخرج من أفواههم، كطعن في الإسلام، وطعن في القرآن، وطعن في النبي صلّى الله عليه وسلّم. قال الفخر الرازي: وإطفاء نور الله تعالى تهكم بهم في إرادتهم إبطال الإسلام بقولهم في القرآن: إنه سحر، إنه كهانة، شبهت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه، وفيه تهكم وسخرية بهم.
{وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ} أي: والله مظهر لدينه بنشره في الافاق، وإعلائه على جميع الأديان، والمراد: أن هذا الدين سينتشر في مشارق الأرض، ومغاربها، وهو فحوى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها، ومغاربها، وإنّ ملك أمّتي سيبلغ ما زوي لي منها». {وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} أي: ولو كره ذلك أعداء الله المشركون بالله وغيرهم، فإن الله سيعز شأن هذا الدين رغم أنف الكافرين. قال زاده: كان كفار مكة يكرهون هذا الدين الحق من أجل توغلهم في الشرك، والضلال، فكان المناسب إذلالهم، وإرغامهم بإظهار ما يكرهون من الحق، وليس المراد من إظهاره ألا يبقى في العالم من يكفر بهذا الدين، بل المراد أن يكون أهله عالين غالبين على سائر الأديان بالحجة، والبرهان، والسيف، واللسان إلى آخر الزمان. انتهى. صفوة التفاسير. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (التوبة) رقم [٣٢]: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} أي: كرهوا الإسلام، وإعلاء كلمته، وقد كان ذلك يوم اختار الله، وهيأ لهذا الدين من حمل لواءه، وبذلوا ما بذلوا حتى سطح نوره، وعم ربوع الدنيا، والتاريخ شاهد صدق على ذلك.
الإعراب:{يُرِيدُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، أو هي في محل نصب حال من الظالمين، أو من الضمير المستتر فيه، والرابط: الضمير فقط، وهو واو الجماعة. {يُطْفِؤُا:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر بلام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وعليه فالمفعول محذوف، التقدير: يريدون الكذب. أو يريدون الافتراء لإطفاء نور الله بأفواههم. هذا؛ ويجوز اعتبار اللام صلة، والمصدر المؤول في محل نصب مفعول به محلا، وفي محل جرّ باللام لفظا. قال الزمخشري: أصله يريدون أن يطفئوا نور الله، كما جاء في سورة (التوبة) وهي الاية الانفة الذكر، وكأن هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة توكيدا له لما فيها من معنى التقوية. وهناك قول ثالث: أنها بمعنى (أن) الناصبة، وأنها ناصبة للفعل