هذا وفي الآية إشارة إلى أنّ صدقة السرّ أفضل من صدقة العلانية؛ لأنّه تعالى قدم نفقة الليل على نفقة النهار، وقدّم السرّ على العلانية، انظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٧١].
والجملة في الآية الكريمة مدح منه تعالى للمنفقين في سبيله، وابتغاء مرضاته في جميع الأوقات؛ حتّى إنّ النفقة على الأهل تدخل في ذلك، فعن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-:
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال له: «وإنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ أجرت عليها حتّى ما تجعل في في امرأتك» رواه البخاريّ، ومسلم. وعن ابن مسعود-رضي الله عنه-، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إذا أنفق الرّجل على أهله نفقة، وهو يحتسبها؛ كانت له صدقة»، رواه البخاريّ، ومسلم، والترمذيّ، والنسائيّ. هذا؛ وبين الليل والنّهار، وبين السرّ والعلانية طباق لفظيّ، وهو من المحسّنات البديعية.
هذا؛ و (ينفقون) ماضيه: نفق، قال الزمخشري رحمه الله تعالى: إنّ كلّ ما فاؤه نون وعينه فاء، يدلّ على معنى الخروج والذّهاب، مثل: نفق، ونفخ، ونفذ، ونفش... إلخ.
هذا، والمال قال فيه ابن الأثير: المال في الأصل: ما يملك من الذّهب، والفضة، ثم أطلق على كلّ ما يقتنى، ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنّها كانت أكثر أموالهم، وقال الجوهري: ذكر بعضهم: أنّ المال يؤنث، وأنشد لحسّان-رضي الله عنه-: [البسيط]
المال تزري بأقوام ذوي حسب... وقد تسوّد غير السّيّد المال
وعن الفضل الضّبيّ: المال عند العرب الصّامت، والناطق، فالصّامت: الذهب، والفضة، والجواهر، والناطق: البعير، والبقرة، والشاة فإذا قلت عن بدوي: كثر ماله؛ فهو النّاطق، وإذا قلت عن حضريّ: كثر ماله؛ فهو الصامت. هذا؛ والنّشب يطلق على المال الثابت، كالضياع، والدور، وقد قال عمرو بن معدي كرب الزّبيدي-رضي الله عنه-في ذلك: [البسيط]
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
هذا، و (الليل) فهو واحد بمعنى الجمع، واحدته: ليلة، مثل: تمر، وتمرة، وقد جمع على: ليال، فزادوا فيه الياء على غير قياس، ونظيره: أهل، وأهال، وشبه، ومشابه، وحاجة، وحوائج، وذكر، ومذاكر، وكأنّ: ليلى في القياس جمع ليلاة، وقد استعملوا ذلك في الشّعر، وأنشد ابن الأعرابي، وهو الشاهد رقم [٦٦] من كتاب: «فتح القريب المجيب»: [الرجز]
يا ويحه من جمل ما أشقاه... في كلّ ما يوم وكلّ ليلاه
واللّيل الشرعي: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وهو أحد قولين في اللغة، والقول الآخر: هو من غروب الشمس إلى طلوعها، والنّهار ضد الليل، وهو لا يجمع كما لا يجمع