للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ..}. إلخ نزلت في عوف بن مالك الأشجعي-رضي الله عنه-كان ذا أهل، وولد، وكان إذا أراد الغزو؛ بكوا إليه، ورققوه، فقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق، ويقيم.

وأخرج الترمذي، والحاكم، وصححاه عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يأتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأبى أزواجهم، وأولادهم أن يدعوهم أن يذهبوا إلى المدينة أولا، فلما أتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما بعد رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فهموا أن يعاقبوهم، فأنزل الله: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا..}. إلخ. انتهى. قرطبي، وأسباب النزول للسيوطي بتصرف.

قال القاضي أبو بكر بن العربي-رحمه الله تعالى-: هذا يبين وجه العداوة، فإن العدو لم يكن عدوا لذاته، وإنما كان عدوا بفعله، فإذا فعل الزوج، والولد فعل العدو؛ كان عدوا، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد، وبين طاعة ربه. وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الشيطان قعد لابن آدم في طريق الإيمان، فقال له:

أتؤمن وتذر دينك، ودين آبائك؟ فخالفه، فآمن. ثم قعد له على طريق الهجرة، فقال له:

أتهاجر، وتترك مالك وأهلك؟ فخالفه، فهاجر. ثم قعد له على طريق الجهاد، فقال له:

أتجاهد، فتقتل نفسك، فتنكح نساؤك، ويقسم مالك؟ فخالفه، فجاهد، فقتل، فحقّ على الله أن يدخله الجنة». وقعود الشيطان يكون بوجهين: أحدهما: يكون بالوسوسة، والثاني: بأن يحمل على ما يريد من ذلك الزوج والولد والصاحب. قال الله تعالى: {وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ} رقم [٢٥] من سورة (فصلت) انظر شرحها هناك.

وقال مجاهد-رحمه الله تعالى-: ما عادوهم في الدنيا، ولكن حملتهم مودتهم على أن أخذوا لهم الحرام، فأعطوهم إياه. والاية عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد. وخصوص السبب لا يمنع عموم الحكم. وينبغي أن تعلم كما أن الرجل يكون له ولده وزوجه عدوا، كذلك المرأة يكون لها زوجها وولدها عدوا بهذا المعنى بعينه، وعموم قوله تعالى: {مِنْ أَزْواجِكُمْ} يدخل فيه الذكر والأنثى لدخولهما في كل آية. والله أعلم. انتهى. قرطبي بتصرف كبير.

هذا؛ وقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} هذا نداء من الله تعالى للمؤمنين بأكرم وصف، وألطف عبارة؛ أي: يا من صدقتم بالله، ورسوله، وتحليتم بالإيمان الذي هو زينة الإنسان.

{فَاحْذَرُوهُمْ} أي: كونوا على حذر من شرهم، وغوائلهم، وفتنتهم. {وَإِنْ تَعْفُوا:} عنهم إذا اطلعتم منهم على عداوة، ولم تقابلوهم بمثلها. {وَتَصْفَحُوا:} تعرضوا عن توبيخهم.

{وَتَغْفِرُوا:} تتجاوزوا عن ذنوبهم، وتستروا عيوبهم. {فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:} يغفر لكم ذنوبكم، ويرحمكم برحمته الواسعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>