به، فيقول الغريم لصاحب الحقّ: زدني في الأجل، حتّى أزيدك في المال، فيفعلان ذلك، وكانوا يقولون: سواء علينا الزيادة في أوّل البيع بالرّبح، أو عند المحلّ لأجل التأخير، فكذّبهم الله تعالى، وردّ عليهم بقوله:{وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}. هذا؛ ولم يقل: إنّما الرّبا مثل البيع، مع أن الكلام في الرّبا لا في البيع؛ لأنّه جيء به على طريقة المبالغة، ويسمّى التشبيه المقلوب، وهو أعلى مراتب التشبيه؛ حيث يجعل المشبّه مكان المشبّه به، والأصل في الآية أن يقال: الربا مثل البيع، ولكنّه بلغ من اعتقادهم في حل الرّبا أن جعلوه أصلا يقاس عليه، فشبهوا به البيع، والتشبيه المقلوب باب واسع من أبواب النّحو، انظر كتابنا:«فتح القريب المجيب»، وخذ منه قول رؤبة بن العجّاج وهو الشاهد رقم [١١٨٧] منه: [الرجز]
ومهمه مغبرة أرجاؤه... كأنّ لون أرضه سماؤه
{وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا:} أي: وأحل الله لكم الأرباح في التّجارة بالبيع، والتجارة، وحرّم الرّبا الذي هو زيادة المال لأجل تأخير الأجل، وذلك لأنّ الله تعالى خلق الخلق فهم عبيده، وهو مالكهم يحكم فيهم بما شاء، ويستعبدهم بما يريد، وليس لأحد أن يعترض عليه في شيء ممّا أحلّ، أو حرّم، وإنما على كافة الخلق الطّاعة، والتسليم لحكمه، وأمره، ونهيه.
{فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} أي: فمن بلغه وعظ من الله، وزجر بالنّهي عن الرّبا، وإنما ذكر الفعل؛ لأنّ الموعظة من المؤنث المجازي، ولأنّ الوعظ، والموعظة شيء واحد. {فَانْتَهى:}
عن أكل الربا. {فَلَهُ ما سَلَفَ:} تقدّم أخذه قبل التحريم، لا يسترد منه ما أخذه بعقد الربا.
{وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ} يعني: بعد النّهي، إن شاء عصمه؛ حتى يثبت على الانتهاء، وإن شاء خذله؛ حتى يعود إلى أكل الرّبا. وقيل: معناه: وأمره إلى الله فيما يأمره، وينهاه، ويحلّ له، ويحرم عليه، وليس له من أمر نفسه شيء، والمعنى في حق المسلم: فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه. {وَمَنْ عادَ:} إلى أكل الرّبا بعد التّحريم، والنّهي. {فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ،} والآية تفيد تخليد آكل الرّبا في النار، وهذا مع الاستحلال؛ لأنّهم بالاستحلال صاروا كافرين؛ لأن من أحلّ ما حرّم الله-عز وجل-فهو كافر، فلذا استحقّ الخلود، وبهذا تبيّن: أنّه لا تعلق للمعتزلة بهذه الآية في تخليد الفاسقين في النّار.
هذا وبين ({أَحَلَّ}) و ({حَرَّمَ}) طباق، وهو من المحسّنات البديعية؛ أما الحرام في الأصل فهو كلّ ممنوع، والحرمات كلّ ممنوع منك ممّا بينك وبين غيرك. وقولهم: لفلان بي حرمة؛ أي:
أنا ممتنع من مكروهه، وحرمة الرّجل محظورة به من غيره، وقوله تعالى:{وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} فالمحروم: هو الممنوع من المال، والتلذّذ به، والإحرام بالحجّ، والعمرة: هو المنع من أمور معروفة في الفقه الإسلاميّ.