{مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ:} اللاتي قعدن عن الحيض، فلا يرجى أن يحضن، وهن العجائز، الايسات من الحيض.
{إِنِ ارْتَبْتُمْ} أي: شككتم في حكمهن، ولم تعرفوا ما عدتهن. ومن الغريب ما قاله القرطبي:
وقيل: تيقنتم وهو من الأضداد يكون شكا، ويقينا كالظن. انتهى. {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ} يعني: الصغائر اللاتي لم يحضن بعد، فعدتهن أيضا ثلاثة أشهر، أما الشابة التي كانت تحيض، فارتفع حيضها، قبل بلوغ سن الايسات، فذهب أكثر أهل العلم إلى أن عدتهن لا تنقضي؛ حتى يعاودها الدم، فتعتد بثلاثة أقراء، أو تبلغ سن الايسات، فتعتد بثلاثة أشهر. وهذا قول عثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود. وبه قال عطاء، وإليه ذهب الشافعي، وأصحاب الرأي. وحكي عن عمر-رضي الله عنه-: أنها تتربص تسعة أشهر، فإن لم تحض؛ فتعتد بثلاثة أشهر، وهو قول مالك-رحمه الله تعالى-. وقال الحسن البصري: تتربص سنة، فإن لم تحض؛ فتعتد بثلاثة أشهر، وهذا كله في عدة الطلاق، وأما المتوفى عنها زوجها؛ فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء كانت ممن تحيض، أو لا تحيض، وأما الحامل؛ فعدتها بوضع الحمل، سواء طلقها زوجها، أو مات عنها. انتهى. خازن.
أقول: إن المحاكم الشرعية في هذه الأيام تعتبر عدة المطلقة المدخول بها والمخالعة سواء كانت من ذوات الأقراء، أو من الايسات، أو من الصغيرات، المنقطع حيضها، أو غير المنقطع ثلاثة أشهر كاملة، فهو حكم عام، ولا بأس به.
{وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ:} عن سبيعة الأسلمية-رضي الله عنها-: أنها كانت تحت سعد بن خولة-رضي الله عنه-وكان ممن شهد بدرا، فتوفي عنها في حجة الوداع، وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلّت من نفاسها؛ تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك من بني عبد الدار، فقال لها: ما لي أراك تجملت للخطاب ترجّين النكاح؟ وأنت والله ما أنت بناكح؛ حتى يمر عليك أربعة أشهر، وعشر. قالت سبيعة -رضي الله عنها-: فلما قال لي ذلك؛ جمعت عليّ ثيابي؛ حتى أمسيت، وأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج؛ إن بدا لي. لفظ البخاري، ولمسلم نحوه، وزاد: قال ابن شهاب: ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت، وإن كانت في دمها، غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر. انتهى. خازن. أقول: وهذا قول جمهور العلماء بأن عدة الحامل تنتهي بوضع حملها بعد الطلاق، أو الموت، ولو بفواق ناقة، كما هو نص هذه الاية الكريمة، وكما وردت به السنة النبوية الشريفة.
وقد روي عن علي، وابن عباس-رضي الله عنهم-أنها تعتد بأبعد الأجلين من الوضع والأشهر، عملا بهذه الاية، والتي في سورة (البقرة) رقم [٢٣٤]: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ}