قال تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ} وقال أيضا: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} وقال ابن مسعود-رضي الله عنه-: «الرّبا وإن كثر فإنّ عاقبته إلى قلّ». وفي مسند الإمام أحمد يرويه ابن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
{وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ:} يزيدها، ويكاثرها، ويضاعفها، ويبارك فيها، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تصدق أحد بصدقة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلاّ الطيب، إلا أخذها الرّحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كفّ الرّحمن حتّى تكون أعظم من الجبل، كما يربّي أحدكم فلوّه، أو فصيله» أخرجه مسلم، وتقدّم ما يشبهه برواية البخاريّ.
{وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفّارٍ أَثِيمٍ} يعني: كلّ مصرّ على كفره، مقيم عليه، مستحلّ لأكل الرّبا، {أَثِيمٍ:} متماد في الإثم، وقيل: المراد: الكفار ويحتمل أن يكون راجعا إلى مستحل الرّبا، و (الأثيم): يرجع إلى من يفعله مع اعتقاد التّحريم، فتكون الآية جامعة للفريقين، وخذ ما يلي:
فعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال:«لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: آكل الرّبا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء»، رواه أحمد، وغيره، وعدّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أكل الرّبا من الكبائر السّبع، والسّبع الموبقات، والأحاديث المنفرة من الرّبا كثيرة مشهورة، ومسطورة، وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليأتينّ على النّاس زمان، لا يبقى منهم أحد إلاّ آكل الرّبا، فإن لم يأكله؛ أصابه من غباره» رواه أبو داود، وابن ماجة.
تنبيه: في الآية الكريمة مسألة بيانية، لم يتعرّض لها المفسرون، وهي ما إذا وقعت «كلّ» في حيز النفي؛ كان النفي موجها إلى الشّمول خاصّة، وأفاد بمفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد، كقولك:(ما جاء كلّ القوم ولم آخذ كلّ الدّراهم، وكلّ الدّراهم لم آخذ) وإن وقع النفي في حيزها، اقتضى السّلب عن كلّ فرد، كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لمّا قال له ذو اليدين: أنسيت أم قصرت الصلاة يا رسول الله؟!:«كلّ ذلك لم يكن». وقد يشكل على قولهم في القسم الأول قوله تعالى في سورة (لقمان) رقم [١٨]: {إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ،} ومثلها في سورة (الحديد) رقم [٢٣]، وقوله تعالى في سورة (ن): {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ،} وما في الآية التي نحن بصدد شرحها حيث وقعت {كُلَّ} في حيز النفي، فتفيد: أن المنفي الشّمول، وأنّ البعض ثابت له المحبّة من الله. والجواب عن الآيات: أن دلالة المفهوم إنّما يعوّل عليها عند عدم المعارض، وهو موجود هنا؛ إذ دلّ الدّليل، والإجماع على تحريم الاختيال، والفخر، والحلف، والكفر مطلقا، ومستند هذا الإجماع الأحاديث الشّريفة الكثيرة، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{يَمْحَقُ:} فعل مضارع. {اللهُ:} فاعله. {الرِّبا:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر. والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها. {وَيُرْبِي:} الواو:
حرف عطف. ({يُرْبِي}): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل