{وَآتَوُا الزَّكاةَ} أدّوها، والإيتاء: الإعطاء، يقال: آتيته: أعطيته، قال الله تعالى، حكاية عن قول المنافق في سورة (التّوبة) رقم [٧٥]: {لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} وأتيته بالقصر من غير مد بمعنى: جئته، فإذا كان المجيء بمعنى الاستقبال مدّ، ومنه الحديث ولآتينّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلأخبرنّه. هذا؛ وأصل آتوا «آتيوا» فاستثقلت الضمة على الياء، فحذفت، فالتقى ساكنان:
الياء والواو، فحذفت الياء لعلة الالتقاء، فصار «آتوا». ويقال في إعلاله أيضا: تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فصار:(آتاوا) فاجتمع ساكنان: الألف والواو، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصار: آتوا، وبقيت الفتحة على التاء دليلا على الألف المحذوفة، وما ذكرته يجري في إعلال كلّ فعل ناقص، مثل: نجا، ورمى، وسعى، ودعا، وغزا، هذا، وتحرك واو الجماعة بالضّمة إذا لقيها ساكن، كما في هذه الآية (آتوا) ولم تحرك بالكسرة؛ لأنّ الكسرة لا تناسبها، وقيل: حركت بالضم دون غيره؛ ليفرق بين الواو الأصلية وبين واو الجماعة في نحو قولك:«لو اجتهدت؛ لنجحت». وقيل: حركت بحركة الياء المحذوفة، وقيل: ضمت؛ لأنّ الضّمة هنا أخفّ من الكسرة؛ لأنها من جنس الواو، وقيل: غير ذلك.
هذا والزكاة في اللغة التطهير والإصلاح والنماء والمدح، يقال: زكا الزرع والمال، يزكو، إذا كثر وزاد، وسمي الإخراج من المال زكاة، وهو نقص منه حيث ينمو بالبركة، قال تعالى في سورة سبأ رقم [٣٩]: {وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ} كما يقال: زكا فلان أي طهر من دنس الجرحة والإغفال، فكأن الخارج من المال يطهره من تبعة الحق، الذي جعل الله فيه للمساكين، ألا ترى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سمى ما يخرج من الزكاة أوساخ الناس، وقد قال تعالى في سورة التوبة رقم [١٠٣]{خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها}.
والزكاة في الشرع: اسم لما يخرج من مال، أو بدن على وجه مخصوص، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة الّتي بني عليها الإسلام، ومن ثمّ يكفر جاحدها على الإطلاق، أو في القدر المجمع عليه، ويقاتل الممتنع عن أدائها، وتؤخذ منه قهرا، كما فعل الصدّيق-رضي الله عنه-، وتدفع الزكاة لأشخاص معلومين مذكورين في الآية رقم [٦٠] من سورة (التوبة)، وزكاة الفطر لا يوجد نصّ صريح في القرآن عليها، إلا ما تأوّله بعض المفسرين في قوله تعالى في سورة الأعلى:
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى،} وتحدّثت عنها بعونه تعالى عند الكلام على آي الصيام.
هذا وأضيف: أنّ الزكاة قرينة الصّلاة، فقد روي: أنّ أعرابيّا جاء إلى ابن عباس-رضي الله عنهما-، فقال له: يا بن عباس! أنت حبر الأمة، وترجمان القرآن، علّمك الله أسرار الكتاب، وفقّهك في الدّين، فقل لي بربك: لماذا قرن الله الصّلاة إلى الزّكاة في القرآن في أكثر من ثلاثين آية؟ فقال ابن عبّاس-رضي الله عنهما-: ذلك لتعلم أنّ الصلاة، والزّكاة توأمان، لا يقبل الله إحداهما بدون الأخرى، تلك حقّ الله، وهذه حقّ الناس، ورضي الله عن الصدّيق الذي سوّى