للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقره العقول السليمة، وأما الكفر؛ فيستحسنه مئات الملايين من الناس، بل؛ ويدافعون عنه، ويحاجون بأنهم على الحق. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ما بغت امرأة نبي قط، وإنما كانت خيانتهما: أنهما كانتا على غير دينهما، وكانت امرأة نوح تقول للناس: إنه مجنون، وإذا آمن به أحد؛ أخبرت به الجبابرة من قومها، وأما امرأة لوط؛ فإنها كانت تدل قومها على أضيافه؛ إذا نزل به الضيف في الليل أوقدت النار، وإذا نزل به الضيف في النهار؛ دخّنت؛ لتعلم قومها بذلك. وقيل: إنهما أسرتا النفاق، وأظهرتا الإيمان.

{فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً} أي: لم يدفعا عن امرأتيهما مع نبوتهما، ومكانتهما عند الله عذاب الله. {وَقِيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ} التعبير بالماضي عن المستقبل إنما هو لتحقق الوقوع، وقد ذكرته فيما مضى مرارا، وتكرارا. هذا؛ وانظر قصة نوح، ولوط-على نبينا، وحبيبنا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام-في كثير من السور.

قال الخازن-رحمه الله تعالى-: وهذا مثل ضربه الله تعالى للصالحين، والصالحات من النساء، وأنه لا ينفع العاصي طاعة غيره، ولا تضر المطيع معصية غيره، وإن كانت القرابة متصلة بينهم، وأن القريب كالأجانب، بل أبعد؛ وإن كان القريب الذي يتصل به الكافر نبيا، كامرأة نوح، وامرأة لوط لما خانتاهما؛ لم يغن هذان الرسولان عن امرأتيهما شيئا. فقطع بهذه الآية طمع من يرتكب المعصية، ويتكل على صلاح غيره. وفي هذا المثل تعريض بأمّي المؤمنين: عائشة وحفصة، وما فرط منهما، وتحذير لهما على أغلظ وجه، وأشده. ثم ضرب الله مثلا آخر، يتضمن: أن معصية الغير لا تضره إذا كان مطيعا، وإن وصلة المسلم بالكافر لا تضر المؤمن. انتهى.

هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: (ويقال): إن كفار مكة استهزؤوا، وقالوا: إن محمدا صلّى الله عليه وسلّم يشفع لنا، فبين الله تعالى: أن شفاعته لا تنفع كفار مكة، وإن كانوا أقرباء، كما لا تنفع شفاعة نوح لامرأته، وشفاعة لوط لامرأته مع قربهما لهما؛ لكفرهما. انتهى. وأرى أنه لا وجه لقوله؛ لأن السورة مدنية.

الإعراب: {ضَرَبَ اللهُ:} ماض، وفاعله. {مَثَلاً:} مفعول به. {لِلَّذِينَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف صفة {مَثَلاً،} وجملة: {كَفَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {اِمْرَأَتَ:} بدل من {مَثَلاً}. وقيل: {مَثَلاً} مفعول ثان تقدم على الأول، وهو {اِمْرَأَتَ} ورجح هذا مكي، وضعف الأول. هذا؛ واعتمدت الأول في سورة (النحل) وغيرها، و {اِمْرَأَتَ} مضاف، و {نُوحٍ:} مضاف إليه. {وَامْرَأَتَ لُوطٍ:}

معطوف على ما قبله. {كانَتا:} فعل ماض ناقص، والتاء للتأنيث، وحركت بالفتح لالتقائها ساكنة مع ألف الاثنين التي هي اسم (كان). {تَحْتَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر كان، و {تَحْتَ} مضاف، و {عَبْدَيْنِ:} مضاف إليه. {مِنْ عِبادِنا:} متعلقان بمحذوف صفة {عَبْدَيْنِ}

<<  <  ج: ص:  >  >>