للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ك‍: «ضرب الأمير». ويجوز أن يكون باقيا على مصدريته، ويقدر مضاف، أي: ذات رجوم، وجمع المصدر باعتبار أنواعه. {وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ} أي: جعلنا شهبها، فحذف المضاف.

دليله قوله تعالى في سورة (الصافات) رقم [١٠]: {إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ} وعلى هذا؛ فالمصابيح لا تزول، ولا يرجم بها، لذا قال الخازن: فإن قلت: جعل الكواكب زينة السماء يقتضي بقاءها، وجعلها رجوما للشياطين يقتضي زوالها، فكيف الجمع بين هاتين الحالتين؟!.

قلت: قالوا: إنه ليس المراد: أنهم يرمون بأجرام الكواكب، بل يجوز أن تنفصل من الكواكب شعلة، وترمى الشياطين بتلك الشعلة، وهي الشهب، ومثلها كمثل قبس يؤخذ من النار، وهي على حالها. وقال قتادة-رحمه الله تعالى-: خلق الله تعالى النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها في البر، والبحر، والأوقات. فمن تأول فيها غير ذلك؛ فقد تكلف ما لا علم له به، وتعدى، وظلم. {وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ} أي: في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا لهم النار الموقدة شديدة الحرارة. قال تعالى في سورة (الصافات) الآية رقم [٩]: {وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ} أي: دائم مستمر في الآخرة.

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كانت الشياطين لا يحجبون من السموات، وكانوا يدخلونها، ويأتون بأخبارها، فيلقونها إلى الكهنة، فلما ولد عيسى-عليه الصلاة والسّلام-منعوا من ثلاث سماوات، فلما ولد محمد صلّى الله عليه وسلّم منعوا من السموات كلها، فما منهم أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب، وهو الشعلة من النار، فلا يخطئه أبدا، فمنهم من يقتله، ومنهم من يحرق وجهه، ومنهم من يخبله، فيصير غولا يضل الناس في الفلوات، والبراري.

وبسبب ذلك بطلت الكهانة. فإن قيل: هذا القذف إن كان لأجل النبوة، فلم دام بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ والجواب: أنه دام بدوام النبوة، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر ببطلان الكهانة، فقال: «ليس منّا من تكهّن». فلو لم تحرس بعد موته؛ لعادت الجن إلى تسمعها، وعادت الكهانة، ولا يجوز ذلك بعد أن بطل، ولأن قطع الحراسة عن السماء إذا وقع لأجل النبوة، فعادت الكهانة دخلت الشبهة على ضعفاء المسلمين، ولم يؤمن أن يظنوا: أن الكهانة إنما عادت لتناهي النبوة، فصح: أن الحكمة تقتضي دوام الحراسة في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبعد أن توفاه الله إلى دار كرامته.

فإن قلت: إذا كان الشيطان يعلم: أنه يصاب، ولا يصل إلى مقصوده؛ فكيف يعود مرة أخرى؟ أو: كيف يحاول استراق السمع، وقد رأى غيره قد احترق؟ قلت: يعود رجاء نيل المقصود، وطمعا في السلامة كراكب البحر؛ فإنه يشاهد الغرق أحيانا؛ لكنه يعود إلى ركوبه رجاء السلامة، ونيل المقصود. انتهى. خازن بتصرف. وانظر ما ذكرته في سورة (الجن) رقم [٨] وفي غير هذا الموضع أيضا من سورة (الحجر) وسورة (الصافات) إن أردت الزيادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>